Translate

الثلاثاء، 12 أبريل 2022

الخلاصة في أحكام صلاة الخوف جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة علي بن نايف الشحود

 

الخلاصة في أحكام صلاة الخوف جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة علي بن نايف الشحود

الطبعة الأولى

1433 هـ- 2012 م

حقوق الطبع لكل مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد :

فإن الله سبحانه وتعالى قد فرض على المسلمين الصلاة في كل أحوالهم،قال تعالى :{ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } [الإسراء:78]

وهذه الصلاة لها شروطها وأوقاتها،وصفاتها الخاصة ....

وقد يكون المسلمون في حالة حرب مع أعدائهم،فكيف يؤدون هذه الشعيرة الهامة من شعائر الإسلام ؟

لقد شرع الله تعالى لهم أحكاماً خاصة في هذه الحال،وسميت بصلاة الخوف،قال تعالى :{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)} [النساء:102،103]

 وقد فصل القول فيها رسول الله r،وصلاها بالصحابة،وتتابعت عليها الأمة في تاريخها الطويل ....

وبما أن هذه الصلاة لها أحكامها الخاصة،فقد قمت بجمعها من الموسوعة الفقهية ومن غيرها لتكون بين يدي المسلمين سهلة المنال ...

 وقد قسمت هذا الموضوع للمباحث التالية :

المبحث الأول = مشروعية صلاة الخوف في القرآن والسنة

المبحث الثاني = الأحكام الفقهية لصلاة الخوف

المبحث الثالث =الهَيْئَةُ المناسِبَةُ منْ صَلاةِ الخَوفِ للقِتالِ في زَمانِنا

 وتحت كل مبحث تفصيلاً كاملاً له،مشفوعا بأدلته من القرآن والسنة وأقوال أهل العلم المعتبرين.

سائلا المولى سبحانه وتعالى أن ينفع بها كاتبها وقارئها وناشرها والدال عليها في الدارين .

 الباحث في القرآن والسنة

 علي بن نايف الشحود

 

في 26 صفر 1433 هـ الموافق ل 20/1/2012 م

 

!!!!!!!!!!!!

 

 


المبحث الأول

مشروعية صلاة الخوف في القرآن والسنة

 

أولا- من القرآن الكريم :

قال تعالى :{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) } [النساء]

يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الآيَةِ النَّصَّ المُجْمَلَ فِي الآيَةِ السَّابِقَةِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ قَصْرِ الصَّلاَةِ،وَيُبَيِّنُ هُنَا كَيْفِيَّةَ أَدَاءِ صَلاةِ الخَوْفِ .

وَالأَئِمَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلى أنَّ صَلاَةَ الخَوْفِ مَنْسُوخَةٌ مِنْ أَسْبَابِ تَأخِيرِ الصَّلاَةِ.وَفِي صَلاةِ الخَوْفِ،إذَا كَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم فِي الجَمَاعَةِ وَأمَّ المُسْلِمِينَ فَي الصَّلاَةِ،تَأْتِي طَائِفَةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ فَتأتَمُّ بِالرَّسُولِ وَهُمْ بِأَسْلِحَتِهِمْ،وَكَامِلِ عُدَّتِهِمْ،وَتُصَلِّي مَعَهُ الرَّكْعَةَ الأُولَى مِنْ صَلاَتِهِ،وَيَسْتَمِرُّ النَّبِيُّ وَاقِفاً يُصَلِّي،وَتُتِمُّ الطَائِفَةُ المُؤْتَمَّةُ بِهِ صَلاَتَهَا بِأَداَءِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِنَفْسِهَا،وَتُسَلِّمُ وَتَقُومُ إلى مَكَانِ الحِرَاسَةِ،وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ التِي لَمْ تُصَلِّ،وَالتِي كَانَتْ فِي مَكَانِ الحِرَاسَةِ،فَتَأتَمُّ بِالنَّبِيِّ،وَتُصَلِّي مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ صَلاَتِهِ،ثُمَّ تُتِمُّ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ صَلاَتِهَا لِنَفْسِهَا وَتُسَلِّمُ.وَيُحَذِّرُ اللهُ المُؤْمِنِينَ مِنْ غَدْرِ الكُفَّارِ،وَيُنَبِّهُ المُسْلِمِينَ لِيَأخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ،وَلِيَكُونُوا عَلَى أُهْبَةِ الاسْتِعْدَادِ لِمُقَارَعَةِ الأَعْدَاءِ إذَا أَرَادُوا الغَدْرَ بِالمُسْلِمِينَ،وَهُمْ فِي صَلاَتِهِمْ،وَاغْتِنَامِ الفُرْصَةِ فِيهِمْ،وَهُمْ مُنْشَغِلُونَ بِهَا .

ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى إنَّهُ لا حَرَجَ إنْ كَانَ هُنَاكَ مَطَرٌ،أوْ كَانَ بِالمُسْلِمِينَ مَرَضٌ أنْ يَضَعُوا أسْلِحَتَهُمْ،وَلَكِنْ عَلَيهِمْ أَنْ يَحْذَرُوا وَيَحْتَاطُوا لِتَكُونَ أَسْلِحَتُهُمْ قَرِيبَةً مِنْهُمْ لأَخْذِهَا إذَا احْتَاجُوا إلى اسْتِعْمَالِهَا عَلَى عَجَلٍ.وَيُذَكِّرُ اللهُ المُؤْمِنِينَ بِأنَّهُ وَلِيُّهُمْ،وَأنَّهُ نَاصِرُهُمْ وَمُخْزِي الكَافِرِينَ،وَأنَّهُ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابا مُهيناً يَوْمَ القِيَامَةِ .

 يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِكَثْرَةِ ذِكْرِهِ فِي أَنْفُسِهِمْ عَقِبَ صَلاَةِ الخَوْفِ نَظَراً لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنَ التَّخْفِيفِ فِي أَرْكَانِهَا،وَمِنَ الرُّخْصَةِ فِي الذَّهَابِ وَالإِيابِ فِيهَا مِمَّا لاَ يُوَجُد فِي غَيْرِهَا.فَإِذَا ذَهَبَ الخَوْفُ،وَاطْمَأَنَّ المُسْلِمُونَ فَعَلَيهِمْ إِقَامَةُ الصَّلاَةِ وَإِتْمَامُها بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا،لأنَّ الصَّلاَةَ مَفْرُوضَةٌ عَلَى المُؤْمِنِينَ لِتُقَامَ فِي أَوْقَاتٍ مَحْدُودَةٍ،لاَ بُدَّ مِنْ أَدَائِها فِيها،عَلَى قَدَرِ الإِمْكَانِ .

وَقَدْ جُعِلَتِ الصَّلاَةُ مَوْقُوتَةً لِتَكُونَ مُذَكرِّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِرَبِّهِمْ فِي الأَوْقَاتِ المُخْتَلِفَةِ،لِئَلاَّ تَحْمِلَهُمُ عَلى إِتْيَانِ الشَّرِّ،أَوْ التَّقْصِيرِ فِي فِعْلِ الخَيْرِ .[1]

الثاني - سبب نزول الآية القرآنية :

وَلْنَذْكُرْ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَوَّلًا قَبْلَ ذِكْرِ صِفَتِهَا:

عَنْ عَلِيٍّ،قَالَ:سَأَلَ قَوْمٌ مِنَ التُّجَّارِ رَسُولَ اللَّهِ r،فَقَالُوا:يَا رَسُولَ اللَّهِ،إِنَّا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ،فَكَيْفَ نُصَلِّي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء:101] ثُمَّ انْقَطَعَ الْوَحْي.فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَوْلٍ،غَزَا النَّبِيُّ r،فَصَلَّى الظُّهْرَ،فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ:لَقَدْ أَمْكَنَكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ مِنْ ظُهُورِهِمْ هَلَا شَدَدْتُمْ عَلَيْهِمْ.فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ:إِنَّ لَهُمْ أُخْرَى مِثْلَهَا فِي أَثَرِهَا.فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ:{إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء:102] إِلَى قَوْلِهِ:{إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء:102] فَنَزَلَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ "[2]

وَهَذَا سِيَاقٌ غَرِيبٌ جِدًّا،وَلَكِنْ لِبَعْضِهِ شَاهِدٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقي،وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ الصَّامِتِ،رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،وهو حديث أبي عياش الزرقي - وقد مر -وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ،وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ،فَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،قَالَ:«قَامَ النَّبِيُّ r،وَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ،فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا مَعَهُ وَرَكَعَ وَرَكَعَ نَاسٌ مِنْهُمْ مَعَهُ،ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدُوا مَعَهُ،ثُمَّ قَامَ لِلثَّانِيَةِ،فَقَامَ الَّذِينَ سَجَدُوا وَحَرَسُوا إِخْوَانَهُمْ وَأَتَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى،فَرَكَعُوا وَسَجَدُوا مَعَهُ،وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ فِي صَلاَةٍ،وَلَكِنْ يَحْرُسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا»[3]

الثالث– من السنة النبوية :

عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزَّرْقِيُّ،قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r بِعُسْفَانَ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ،صَلَاةُ الظُّهْرِ،وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ،قَالَ:فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r بِأَصْحَابِهِ الظُّهْرَ،فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ:إِنَّ لَهُمْ صَلَاةً بَعْدَ هَذِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ،يَعْنُونَ صَلَاةَ الْعَصْرِ قَالَ:فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَأَخْبَرَهُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ،وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} [النساء:102] إِلَى آخِرِهَا[4]

عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ،قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r،بِعُسْفَانَ،وَالْمُشْرِكُونَ بِضُجْنَانَ،فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r الظُّهْرَ [ص:127] رَآهُ الْمُشْرِكُونَ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ،فَأْتَمَرُوا عَلَى أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِ،فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ صَفَّ النَّاسُ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ،فَكَبَّرَ وَكَبَّرُوا جَمِيعًا،وَرَكَعَ وَرَكَعُوا جَمِيعًا،وَسَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِينَ يَلُونَهُ،وَقَامَ الصَّفُّ الثَّانِي بِسِلَاحِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ بِوُجُوهِهِمْ،فَلَمَّا رَفَعَ النَّبِيُّ r رَأْسَهُ،سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي فَلَمَّا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ رَكَعَ وَرَكَعُوا جَمِيعًا،وَسَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِينَ يَلُونَهُ،وَقَامَ الصَّفُّ الثَّانِي بِسِلَاحِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ بِوُجُوهِهِمْ،فَلَمَّا رَفَعَ النَّبِيُّ r،رَأْسَهُ سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي.[5]

وعَنْ مُجَاهِدٍ،قَالَ:حَدَّثَنَا أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ،قَالَ:«كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r،بِعُسْفَانَ وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ:فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ،فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ:لَقَدْ كَانُوا عَلَى حَالٍ لَوْ أَرَدْنَا لَأَصَبْنَاهُمْ غِرَّةً - أَوْ لَأَصَبْنَاهُمْ غَفْلَةً - قَالَ:فَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْقَصْرِ،بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ،فَأَخَذَ النَّاسُ السِّلَاحَ،وَصَفُّوا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ r،صَفَّيْنِ مُسْتَقْبِلِي الْعَدُوِّ،وَالْمُشْرِكُونَ مُسْتَقْبِلَوهُمْ،فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ r،وَكَبَّرُوا جَمِيعًا،وَرَكَعَ وَرَكَعُوا جَمِيعًا،ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَرَفَعُوا جَمِيعًا،ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ،وَقَامَ الْأَخَرُ يَحْرُسُونَهُمْ،فَلَمَّا فَرَغَ هَؤُلَاءِ مِنْ سُجُودِهِمْ سَجَدَ هَؤُلَاءِ،ثُمَّ نَكَصَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ،وَتَقَدَّمَ الْآخَرُونَ فَقَامُوا مَقَامَهُمْ،فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ r وَرَكَعُوا جَمِيعًا،ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ r،وَرَفَعُوا جَمِيعًا،ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ،وَقَامَ الْآخَرُونَ [ص:129] يَحْرُسُونَهُمْ فَلَمَّا فَرَغَ هَؤُلَاءِ مِنْ سُجُودِهِمْ سَجَدَ الْآخَرُونَ،ثُمَّ اسْتَوُوا مَعَهُ فَقَعَدُوا جَمِيعًا،ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا صَلَّاهَا بِعُسْفَانَ،وَصَلَّاهَا يَوْمَ بَنِي سُلَيْمٍ»[6]

وعَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ،قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r بِعُسْفَانَ وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ،فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ فَقَالُوا:إِنَّهُمْ يَأْتِي عَلَيْهِمْ صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَنُصِيبُ غِرَّتَهُمْ أَوْ غَفْلَتَهُمْ،فَنَزَلَ جِبْرِيلُ r بِهَؤُلَاءِ الْآيَاتِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء:102] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ،فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ r فَأَخَذُوا السِّلَاحَ،ثُمَّ قَامُوا فَصَفُّوا خَلْفَهُ صَفَّيْنِ،فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ r،وَكَبَّرُوا جَمِيعًا،ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعُوا جَمِيعًا،ثُمَّ رَفَعَ وَرَفَعُوا جَمِيعًا،ثُمَّ سَجَدَ الَّذِينَ يَلُونَهُ،وَآخَرُونَ قِيَامٌ يَحْرُسُونَهُمْ،فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ r،وَقَامَ الَّذِينَ يَلُونَهُ،سَجَدُوا مَعَهُ فَسَجَدَ الْآخَرُونَ الَّذِينَ كَانُوا يَحْرُسُونَهُ،فَلَمَّا قَامُوا تَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا سَجَدُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r إِلَى مَقَامِ الَّذِينَ كَانُوا يَحْرُسُونَهُ وَتَقَدَّمَ الْآخَرُونَ،فَقَامُوا فِي مَقَامِهِمْ،ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ r وَرَكَعُوا جَمِيعًا،ثُمَّ رَفَعَ النَّبِيُّ r وَرَفَعُوا جَمِيعًا،ثُمَّ سَجَدَ النَّبِيُّ r وَسَجَدَ الَّذِينَ يَلُونَهُ،وَالْآخَرُونَ قِيَامٌ يَحْرُسُونَهُمْ ثُمَّ سَجَدُوا فِي مَكَانِهِمْ،ثُمَّ جَلَسَ النَّبِيُّ r فَجَلَسُوا جَمِيعًا،ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ،فَصَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ r مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِعُسْفَانَ،وَمَرَّةً بِأَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ"[7]

وعَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ،قَالَ:سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ:أَقَصْرٌ هُمَا؟ فَقَالَ:الرَّكْعَتَانِ فِي السَّفَرِ تَمَامٌ،إِنَّمَا الْقَصْرُ وَاحِدَةٌ وَاحِدَةٌ عَنِ الْقِتَالِ،بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فِي قِتَالٍ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ،فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ r وَصَفَّ طَائِفَةً،وَطَائِفَةٌ وُجُوهُهَا قِبَلَ الْعَدُوِّ،فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ الَّذِينَ خُلِّفُوا انْطَلَقُوا إِلَى أُولَئِكَ،فَقَامُوا مَقَامَهُمْ أَوْ مَكَانَهُمْ نَحْوَ ذَا،وَجَاءَ أُولَئِكَ فَقَامُوا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ r فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ،ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r جَلَسَ فَسَلَّمَ وَسَلَّمَ الَّذِينَ خَلْفَهُ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ،فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ r رَكْعَتَيْنِ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَةً رَكْعَةً،ثُمَّ قَرَأَ:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} [النساء:102][8]

وعَنْ سَالِمٍ،عَنْ أَبِيهِ،فِي قَوْلِهِ:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} [النساء:102] قَالَ:هِيَ صَلَاةُ الْخَوْفِ،صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً،وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُقْبِلَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ،ثُمَّ انْصَرَفَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَ النَّبِيِّ r،فَقَامُوا مَقَامَ أُولَئِكَ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ،وَأَقْبَلَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى الَّتِي كَانَتْ مُقْبِلَةً عَلَى الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ r رَكْعَةً وَاحِدَةً،ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ،ثُمَّ قَامَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ فَصَلُّوا رَكْعَةً رَكْعَةً"[9]

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:«صَلَّى رَسُولُ اللهِ r صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً،وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ،ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ،وَجَاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمِ النَّبِيُّ r رَكْعَةً،ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ r،ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً،وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً».[10]

وعَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ يَعْلَى،عَنْ أَبِيهِ،عَنْ جَدِّهِ،أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ هُوَ وَأَصْحَابٌ لَهُ فِي مَضِيقٍ وَالسَّمَاءُ فَوْقَهُمْ،وَالْبِلَّةُ أَسْفَلَهُمْ،وَالنَّبِيُّ r عَلَى رَاحِلَتِهِ فَأَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ أَوْ يُقِيمَ،فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ r عَلَى رَاحِلَتِهِ السُّجُودُ أَخْفَضُ مِنَ الرُّكُوعِ[11]

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَوْلَهُ:{إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} [النساء:102] قَالَ:عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ كَانَ جَرِيحًا"[12]

وعَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ،أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِقْصَارِ الصَّلَاةِ:أَيَّ يَوْمٍ أُنْزِلَ،أَوْ أَيَّ يَوْمٍ هُوَ؟ فَقَالَ جَابِرٌ:انْطَلَقْنَا نَتَلَقَّى عِيرَ قُرَيْشٍ آتِيَةً مِنَ الشَّأْمِ،حَتَّى إِذَا كُنَّا بِنَخْلٍ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ:يَا مُحَمَّدُ.قَالَ:«نَعَمْ».قَالَ:تَخَافُنِي؟ قَالَ:«لَا».قَالَ:فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ:«اللَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ».قَالَ:فَسَلَّ السَّيْفَ،ثُمَّ تَهَدَّدَهُ وَأَوْعَدَهُ،ثُمَّ نَادَى بِالرَّحِيلِ وَأَخْذِ السِّلَاحِ،ثُمَّ نُودِيَ بِالصَّلَاةِ،فَصَلَّى نَبِيُّ اللَّهِ r بِطَائِفَةٍ مِنَ الْقَوْمِ،وَطَائِفَةٌ أُخْرَى تَحْرُسُهُمْ،فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَتَيْنِ،ثُمَّ تَأَخَّرَ الَّذِينَ يَلُونَهُ عَلَى أَعْقَابِهِمْ،فَقَامُوا فِي مَصَافِّ أَصْحَابِهِمْ،ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ،وَالْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ،ثُمَّ سَلَّمَ،فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ r أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ،وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ،فَيَوْمَئِذٍ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ فِي إِقْصَارِ الصَّلَاةِ،وَأَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَخْذِ السِّلَاحِ"[13]

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ:قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ r،مُحَارِبَ خَصَفَةَ بِنَخْلٍ،فَرَأَوْا مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِرَّةً،فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ،يُقَالُ لَهُ:عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ - أَوْ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ - حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ r،بِالسَّيْفِ،فَقَالَ:مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ:«اللَّهُ»،قَالَ:فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ،فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ r السَّيْفَ،فَقَالَ لَهُ:«مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي»،قَالَ:كُنَّ خَيْرًا مِنِّي،قَالَ:«تَشَهَّدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ » قَالَ:لَا،وَلَكِنْ أُعَاهِدُكَ عَلَى أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ وَلَا أَكُونَ مَعَ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَكَ،قَالَ:فَخَلَّى سَبِيلَهُ،فَجَاءَ إِلَى أَصْحَابِهِ،فَقَالَ:جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النَّاسِ،فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ - شَكَّ أَبُو عَوَانَةَ - أَمَرَ النَّبِيُّ r،بِصَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ:فَكَانَ النَّاسُ طَائِفَتَيْنِ:طَائِفَةً بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ،وَطَائِفَةً يُصَلُّونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r،فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَتَيْنِ،ثُمَّ انْصَرَفُوا،فَكَانُوا مَكَانَ أُولَئِكَ،وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا [ص:139] مَعَ النَّبِيِّ r،رَكْعَتَيْنِ،فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ r أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ"[14]

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r  «صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ،فَقَامَ صَفٌّ بَيْنَ يَدَيْهِ،وَصَفٌّ خَلْفَهُ،فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ،وَجَاءَ أُولَئِكَ حَتَّى قَامُوا،فَقَامَ هَؤُلَاءِ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ r،رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ»،فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ r،رَكْعَتَانِ وَلَهُمْ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ"[15]

وَأَمَّا الْأَمْرُ بِحَمْلِ السِّلَاحِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ،فَمَحْمُولٌ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْوُجُوبِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ،وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:{وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} أَيْ:بِحَيْثُ تَكُونُونَ عَلَى أُهْبَةٍ إِذَا احْتَجْتُمْ إِلَيْهَا لَبِسْتُمُوهَا بِلَا كُلْفَةٍ:{إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}[16]

وعَنِ الزُّهْرِيِّ،قَالَ:سَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى النَّبِيُّ r؟ - يَعْنِي صَلاَةَ الخَوْفِ - قَالَ:أَخْبَرَنِي سَالِمٌ،أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،قَالَ:غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r قِبَلَ نَجْدٍ،فَوَازَيْنَا العَدُوَّ،فَصَافَفْنَا لَهُمْ،«فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ r يُصَلِّي لَنَا،فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى العَدُوِّ،وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ r بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ،ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ،فَجَاءُوا،فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ r بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ،ثُمَّ سَلَّمَ،فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ،فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ»[17]

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:«صَلَّى رَسُولُ اللهِ r صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ،فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ،فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً،ثُمَّ ذَهَبُوا وَجَاءَ الْآخَرُونَ،فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً،ثُمَّ قَضَتِ الطَّائِفَتَانِ رَكْعَةً رَكْعَةً» قَالَ:وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ:«فَإِذَا كَانَ خَوْفٌ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَلِّ رَاكِبًا،أَوْ قَائِمًا تُومِئُ إِيمَاءً»[18]

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،قَالَ:«شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ r صَلَاةَ الْخَوْفِ،فَصَفَّنَا صَفَّيْنِ،صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ r،وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ،فَكَبَّرَ النَّبِيُّ r،وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا،ثُمَّ رَكَعَ،وَرَكَعْنَا جَمِيعًا،ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ،وَرَفَعْنَا جَمِيعًا،ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ،وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ،وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ،فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ r السُّجُودَ،وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ،انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ،وَقَامُوا،ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ،وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ،ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ r وَرَكَعْنَا جَمِيعًا،ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا،ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى،وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ،فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ r السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ،انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ،فَسَجَدُوا،ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ r وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا».قَالَ جَابِرٌ:كَمَا يَصْنَعُ حَرَسُكُمْ هَؤُلَاءِ بِأُمَرَائِهِمْ"[19]

وعَنْ جَابِرٍ،قَالَ:" غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ r قَوْمًا مِنْ جُهَيْنَةَ،فَقَاتَلُونَا قِتَالًا شَدِيدًا،فَلَمَّا صَلَّيْنَا الظُّهْرَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ:لَوْ مِلْنَا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً لَاقْتَطَعْنَاهُمْ،فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللهِ r ذَلِكَ،فَذَكَرَ ذَلِكَ لَنَا رَسُولُ اللهِ r،قَالَ:وَقَالُوا:إِنَّهُ سَتَأْتِيهِمْ صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَوْلَادِ،فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ قَالَ:صَفَّنَا صَفَّيْنِ،وَالْمُشْرِكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ،قَالَ:فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ r وَكَبَّرْنَا،وَرَكَعَ فَرَكَعْنَا،ثُمَّ سَجَدَ،وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ،فَلَمَّا قَامُوا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي،ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ،وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِي،فَقَامُوا مَقَامَ الْأَوَّلِ،فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ r،وَكَبَّرْنَا،وَرَكَعَ،فَرَكَعْنَا،ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ،وَقَامَ الثَّانِي،فَلَمَّا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي،ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا،سَلَّمَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ r ".قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ:ثُمَّ خَصَّ جَابِرٌ أَنْ قَالَ:كَمَا يُصَلِّي أُمَرَاؤُكُمْ هَؤُلَاءِ"[20]

وعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r «صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ،فَصَفَّهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ،فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً،ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُمْ رَكْعَةً،ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ،فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً،ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً،ثُمَّ سَلَّمَ»[21]

وعَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ،عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ r يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ:«أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ،فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً،ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا،وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ،ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ،وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمِ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ،ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ،ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ»[22]

وعَنْ جَابِرٍ،قَالَ:أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ r حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ،قَالَ:كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللهِ r،قَالَ:فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ رَسُولِ اللهِ r مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ،فَأَخَذَ سَيْفَ نَبِيِّ اللهِ r فَاخْتَرَطَهُ،فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ r:أَتَخَافُنِي؟ قَالَ:«لَا»،قَالَ:فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ:«اللهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ»،قَالَ:فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ r فَأَغْمَدَ السَّيْفَ،وَعَلَّقَهُ،قَالَ:فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ،فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ،ثُمَّ تَأَخَّرُوا،وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ،قَالَ:فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ r أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ،وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ"[23]

وقال أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،أَنَّ جَابِرًا،أَخْبَرَهُ،«أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ r صَلَاةَ الْخَوْفِ،فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ r بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ،ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ،فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ r أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ،وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ»[24]

الرابع - بعض أقوال المفسرين :

وقال ابن كثير :" صَلَاةُ الْخَوْفِ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ،فَإِنَّ الْعَدُوَّ تَارَةً يَكُونُ تُجَاهَ الْقِبْلَةِ،وَتَارَةً يَكُونُ فِي غَيْرِ صَوْبها،وَالصَّلَاةُ تَارَةً تَكُونُ رُبَاعِيَّةً،وَتَارَةً ثُلَاثِيَّةً كَالْمَغْرِبِ،وَتَارَةً ثُنَائِيَّةً،كَالصُّبْحِ وَصَلَاةِ السَّفَرِ،ثُمَّ تَارَةً يُصَلُّونَ جَمَاعَةً،وَتَارَةً يَلْتَحِمُ الْحَرْبُ فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْجَمَاعَةِ،بَلْ يُصَلُّونَ فُرَادَى مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرِ مُسْتَقْبِلِيهَا،وَرِجَالًا وَرَكِبَانَا،وَلَهُمْ أَنْ يَمْشُوا وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَيَضْرِبُوا الضَّرْبَ الْمُتَتَابِعَ فِي مَتْنِ الصَّلَاةِ.

وَمِنِ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ:يُصَلُّونَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ رَكْعَةً وَاحِدَةً؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ،وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي الْحَوَاشِي:وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ،وَجَابِرٌ،وَالْحَسَنُ،وَمُجَاهِدٌ،وَالْحَكَمُ،وَقَتَادَةُ،وَحَمَّادٌ.وَإِلَيْهِ ذَهَبَ طَاوُسٌ وَالضَّحَّاكُ.

وَقَدْ حَكَى أَبُو عَاصِمٍ العَبَّادي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ؛ أَنَّهُ يَرَى رَدَّ الصُّبْحِ إِلَى رَكْعَةٍ فِي الْخَوْفِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابن حزم أيضًا.

وقال إسحاق بن رَاهْوَيْهِ:أَمَّا عِنْدَ الْمُسَايَفَةِ فَيَجْزِيكَ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ،تُومِئُ بِهَا إِيمَاءً،فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَسَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ.

وَقَالَ آخَرُونَ:تَكْفِي تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ.فَلَعَلَّهُ أَرَادَ رَكْعَةً وَاحِدَةً،كَمَا قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابُهُ،وَلَكِنِ الَّذِينَ حَكَوْهُ إِنَّمَا حَكَوْهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الِاجْتِزَاءِ بتكبيرة واحدة،كما هو مذهب إسحاق بن رَاهْوَيْهِ،وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَمِيرُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ بُخْت الْمَكِّيُّ،حَتَّى قَالَ:فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّكْبِيرَةِ فَلَا يَتْرُكْهَا فِي نَفْسِهِ،يَعْنِي بِالنِّيَّةِ،فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنِ الْعُلَمَاءِ مَنْ أَبَاحَ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ لِعُذْرِ الْقِتَالِ وَالْمُنَاجَزَةِ،كَمَا أَخَّرَ النَّبِيُّ r يَوْمَ الْأَحْزَابِ صَلَاةَ الْعَصْرِ،قِيلَ:وَالظُّهْرِ،فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْغُرُوبِ،ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهُمَا الْمَغْرِبَ ثُمَّ الْعَشَاءَ.وكما قال بَعْدَهَا -يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ،حِينَ جَهَّزَ إِلَيْهِمُ الْجَيْشَ -فعَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ r لَنَا لَمَّا رَجَعَ مِنَ الأَحْزَابِ:«لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» فَأَدْرَكَ بَعْضَهُمُ العَصْرُ فِي الطَّرِيقِ،فَقَالَ بَعْضُهُمْ:لاَ نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا،وَقَالَ بَعْضُهُمْ:بَلْ نُصَلِّي،لَمْ يُرَدْ مِنَّا ذَلِكَ،فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ r،فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ"[25]

وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ السِّيرَةِ،وبَيَّنا أَنَّ الَّذِينَ صَلَّوُا الْعَصْرَ لِوَقْتِهَا أَقْرَبُ إِلَى إِصَابَةِ الْحَقِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ،وَإِنْ كَانَ الْآخَرُونَ مَعْذُورِينَ أَيْضًا،وَالْحُجَّةُ هَاهُنَا فِي عُذْرِهِمْ فِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ الْجِهَادِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى حِصَارِ النَّاكِثِينَ لِلْعَهْدِ مِنَ الطَّائِفَةِ الْمَلْعُونَةِ الْيَهُودِ.وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَالُوا:هَذَا كُلُّهُ مَنْسُوخٌ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ،فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ بَعْدُ،فَلَمَّا نَزَلَتْ نُسِخَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِذَلِكَ،وَهَذَا بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،الَّذِي رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ السُّنَنِ،وَلَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا مَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ،فِي صَحِيحِهِ،حَيْثُ قَالَ[26]:"بَابُ الصَّلَاةِ عِنْدَ مُنَاهَضَةِ الْحُصُونِ وَلِقَاءِ الْعَدُوِّ":قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ:إِنْ كَانَ تَهَيَّأ الفتحُ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ،صَلُّوا إِيمَاءً،كُلُّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ،فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْإِيمَاءِ أخَّروا الصَّلَاةَ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْقِتَالُ،أَوْ يَأْمَنُوا فَيُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ.فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا صَلُّوا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ،فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا لَا يُجْزِئُهُمُ التَّكْبِيرُ،وَيُؤَخِّرُونَهَا حَتَّى يَأْمَنُوا.وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ،وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ:حَضَرْتُ مُنَاهَضَةَ حِصْنِ تُسْتر عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ،وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ الْقِتَالِ،فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ،فَلَمْ نُصَلِّ إِلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ،فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى،فَفُتح لَنَا،قَالَ أَنَسٌ:وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ،ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِحَدِيثِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ،ثُمَّ بِحَدِيثِ أَمْرِهِ إِيَّاهُمْ أَلَّا يُصَلُّوا الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ،وَكَأَنَّهُ كَالْمُخْتَارِ لِذَلِكَ،وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلِمَنْ جَنَحَ إِلَى ذَلِكَ لَهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِصَنِيعِ أَبِي مُوسَى وَأَصْحَابِهِ يَوْمَ فَتْحِ تُسْتَرَ فَإِنَّهُ يَشْتَهِرُغَالِبًا،وَلَكِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ،وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ،وَلَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ،وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[وَ] قَالَ هَؤُلَاءِ:وَقَدْ كَانَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ مَشْرُوعَةً فِي الْخَنْدَقِ؛ لِأَنَّ ذَاتَ الرِّقَاع كَانَتْ قَبْلَ الْخَنْدَقِ فِي قَوْلِ جُمْهُورِ عُلَمَاءِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي.وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ،وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ،وَالْوَاقِدِيُّ،وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَاتِبُهُ،وَخَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاط وَغَيْرُهُمْ،وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ:كَانَتْ ذَاتُ الرِّقَاعِ بَعْدَ الْخَنْدَقِ،لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَمَا قَدم إِلَّا فِي خَيْبَرَ،وَاللَّهُ أعلم.والعجب -كل العجب - أَنَّ المُزْني،وَأَبَا يُوسُفَ الْقَاضِيَ،وَإِبْرَاهِيمَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّة ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَنْسُوخَةٌ بِتَأْخِيرِهِ،عَلَيْهِ السَّلَامُ،الصَّلَاةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ.وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا،وَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ بَعْدَ الْخَنْدَقِ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ،وَحُمِلَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ يَوْمَئِذٍ عَلَى مَا قَالَهُ مَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ أَقْوَى وَأَقْرَبُ،وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَقَوْلُهُ تَعَالَى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} أَيْ:إِذَا صَلَّيْتَ بِهِمْ إِمَامًا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ،وَهَذِهِ حَالَةٌ غَيْرُ الْأُولَى،فَإِنَّ تِلْكَ قَصْرُهَا إِلَى رَكْعَةٍ،كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ،فُرَادَى وَرِجَالًا وَرُكْبَانَا،مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا،ثُمَّ ذَكَرَ حَالَ الِاجْتِمَاعِ وَالِائْتِمَامِ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ.وَمَا أَحْسَنَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الْجَمَاعَةِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ،حَيْثُ اغْتُفِرَتْ أَفْعَالٌ كَثِيرَةٌ لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ،فَلَوْلَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَمَا سَاغَ ذَلِكَ،وَأَمَّا مَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ مَنْسُوخَةٌ بَعْدَ النَّبِيِّ r لِقَوْلِهِ:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} فَبَعْدَهُ تَفُوتُ هَذِهِ الصِّفَةُ،فَإِنَّهُ اسْتِدْلَالٌ ضَعِيفٌ،ويُرَدُّ عَلَيْهِ مِثْلَ قَوْلِ مَانِعِي الزَّكَاةِ،الَّذِينَ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التَّوْبَةِ:103] قَالُوا:فَنَحْنُ لَا نَدْفَعُ زَكَاتَنَا بَعْدَهُ r إِلَى أَحَدٍ،بَلْ نُخْرِجُهَا نَحْنُ بِأَيْدِينَا عَلَى مَنْ نَرَاهُ،وَلَا نَدْفَعُهَا إِلَى مَنْ صِلَاتُهُ،أَيْ:دُعَاؤُهُ،سَكَنٌ لَنَا،وَمَعَ هَذَا ردَّ عَلَيْهِمُ الصَّحَابَةُ وأبَوْا عَلَيْهِمْ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ،وَأَجْبَرُوهُمْ عَلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ،وَقَاتَلُوا مَنْ مَنَعَهَا مِنْهُمْ.

وقال القرطبي :" فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً:

 الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ:كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r بِعُسْفَانَ،فَاسْتَقْبَلَنَا الْمُشْرِكُونَ،عَلَيْهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ،فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ r الظُّهْرَ،فَقَالُوا:قَدْ كَانُوا عَلَى حَالٍ لَوْ أَصَبْنَا غِرَّتَهُمْ،قَالَ:ثُمَّ قَالُوا تَأْتِي الْآنَ عَلَيْهِمْ صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ،قَالَ:فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ).وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.وَهَذَا كَانَ سَبَبَ إِسْلَامِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.وَقَدِ اتَّصَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِمَا سَبَقَ مِنْ ذِكْرِ الْجِهَادِ.وَبَيَّنَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَسْقُطُ بِعُذْرِ السَّفَرِ وَلَا بِعُذْرِ الْجِهَادِ وَقِتَالِ الْعَدُوِّ،وَلَكِنْ فِيهَا رُخَصٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي (الْبَقَرَةِ ) وَهَذِهِ السُّورَةُ،بَيَانُهُ مِنَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ.وَهَذِهِ الْآيَةُ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ r،وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْأُمَرَاءَ بَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) هَذَا قَوْلُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ.وَشَذَّ أَبُو يُوسُفَ وَإِسْمَاعِيلُ بن عُلَيَّةَ فَقَالَا:لَا نُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ بَعْدَ النَّبِيِّ r،فَإِنَّ الْخِطَابَ كَانَ خَاصًّا لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ،لِأَنَّ النَّبِيَّ r لَيْسَ كَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ،وَكُلُّهُمْ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ وَيُصَلِّيَ خَلْفَهُ،وَلَيْسَ أَحَدٌ بَعْدَهُ يَقُومُ فِي الْفَضْلِ مَقَامَهُ،وَالنَّاسُ بَعْدَهُ تَسْتَوِي أَحْوَالُهُمْ وَتَتَقَارَبُ،فَلِذَلِكَ يُصَلِّي الْإِمَامُ بِفَرِيقٍ وَيَأْمُرُ مَنْ يُصَلِّي بِالْفَرِيقِ الْآخَرِ،وَأَمَّا أَنْ يُصَلُّوا بِإِمَامٍ وَاحِدٍ فَلَا.وَقَالَ الْجُمْهُورُ:إِنَّا قَدْ أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِهِ وَالتَّأَسِّي بِهِ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ وَغَيْرِ حَدِيثٍ،فَقَالَ تَعَالَى:(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ) وَقَالَ r:(صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي).فَلَزِمَ اتِّبَاعُهُ مُطْلَقًا حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى الْخُصُوصِ،وَلَوْ كَانَ مَا ذَكَرُوهُ دَلِيلًا عَلَى الْخُصُوصِ لَلَزِمَ قَصْرُ الْخِطَابَاتِ عَلَى مَنْ تَوَجَّهَتْ لَهُ،وَحِينَئِذٍ [كَانَ] يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الشَّرِيعَةُ قَاصِرَةً عَلَى مَنْ خُوطِبَ بِهَا،ثُمَّ إِنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عليهم أجمعين اطرحوا توهم الْخُصُوصِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ وَعَدُّوهُ إِلَى غَيْرِ النَّبِيِّ r،وَهُمْ أَعْلَمُ بِالْمَقَالِ وَأَقْعَدُ بِالْحَالِ.وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:(وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ) وَهَذَا خِطَابٌ لَهُ،وَأُمَّتُهُ دَاخِلَةٌ فِيهِ،وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ.وَقَالَ تَعَالَى:(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ،وَأَنَّ مَنْ بَعْدَهُ يَقُومُ فِي ذَلِكَ مَقَامَهُ،فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ:(وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ).أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ فِي جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَاتَلُوا مَنْ تَأَوَّلَ فِي الزَّكَاةِ مِثْلَ مَا تَأَوَّلْتُمُوهُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ.قَالَ أَبُو عُمَرَ:لَيْسَ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ الَّتِي قَدِ اسْتَوَى فِيهَا النَّبِيُّ r وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ مَا يُشْبِهُ صَلَاةَ مَنْ صَلَّى خَلْفَ النَّبِيِّ r وَصَلَّى خَلْفَ غَيْرِهِ،لِأَنَّ أَخْذَ الزَّكَاةِ فَائِدَتُهَا تَوْصِيلُهَا لِلْمَسَاكِينِ،وَلَيْسَ فِيهَا فَضْلٌ لِلْمُعْطَى كَمَا فِي الصَّلَاةِ فَضْلٌ لِلْمُصَلِّي خَلْفَهُ.

 الثَّانِيةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) يَعْنِي جماعة منهم تقف معك في الصلاة.(لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) يَعْنِي الَّذِينَ يُصَلُّونَ مَعَكَ.وَيُقَالُ:(وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) الَّذِينَ هُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ،عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ لِكُلِّ طَائِفَةٍ إِلَّا رَكْعَةً وَاحِدَةً،وَلَكِنْ رُوِيَ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّهُمْ أَضَافُوا إِلَيْهَا أُخْرَى،عَلَى مَا يَأْتِي.وَحُذِفَتِ الْكَسْرَةُ مِنْ قَوْلِهِ:(فَلْتَقُمْ) و (فَلْيَكُونُوا) لثقلها.وحكى الأخفش والقراء وَالْكِسَائِيُّ أَنَّ لَامَ الْأَمْرِ وَلَامَ كَيْ وَلَامَ الْجُحُودِ يُفْتَحْنَ.وَسِيبَوَيْهِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِعِلَّةٍ مُوجِبَةٍ،وَهِيَ الْفَرْقُ بَيْنَ لَامِ الْجَرِّ وَلَامِ التَّأْكِيدِ.وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الِانْقِسَامُ،أَيْ وَسَائِرُهُمْ وُجَاهَ الْعَدُوِّ حَذَرًا مِنْ تَوَقُّعِ حَمْلَتِهِ.وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي هَيْئَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ،وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ لِاخْتِلَافِهَا،فَذَكَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ أَنَّهُ r صَلَّاهَا فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ.قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ:رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً.وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ابن حَنْبَلٍ،وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْمُقَدَّمُ فِي مَعْرِفَةِ عِلَلِ النَّقْلِ فِيهِ:لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ رُوِيَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إِلَّا حَدِيثٌ ثَابِتٌ.وَهِيَ كُلُّهَا صِحَاحٌ ثَابِتَةٌ،فَعَلَى أَيِّ حَدِيثٍ صلى منها المصلي صلاة الخوف أَجْزَأَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ.وَأَمَّا مَالِكٌ وَسَائِرُ أَصْحَابِهِ إِلَّا أَشْهَبَ فَذَهَبُوا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إِلَى حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ،وَهُوَ مَا رَوَاهُ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ وَمَعَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَطَائِفَةٌ مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ،فَيَرْكَعُ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ بِالَّذِينَ مَعَهُ ثُمَّ يَقُومُ،فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا ثَبَتَ،وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ وَيَنْصَرِفُونَ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ،فَيَكُونُونَ وُجَاهَ الْعَدُوِّ،ثُمَّ يُقْبِلُ الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُكَبِّرُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَيَرْكَعُ بِهِمُ [الرَّكْعَةَ] وَيَسْجُدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ،فَيَقُومُونَ وَيَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ.قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ:وَالْعَمَلُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ.قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ:وَقَدْ كَانَ يَأْخُذُ بِحَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى هَذَا.قَالَ أَبُو عُمَرَ:حَدِيثُ الْقَاسِمِ وَحَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ رومان كلاهما عن صالح ابن خَوَّاتٍ:إِلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا فَصْلًا فِي السَّلَامِ،فَفِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْإِمَامَ يُسَلِّمُ بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيةِ ثُمَّ يَقُومُونَ فَيَقْضُونَ لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ،وَفِي حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُهُمْ وَيُسَلِّمُ بِهِمْ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ،قَالَ الشَّافِعِيُّ:حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ هَذَا أَشْبَهُ الْأَحَادِيثِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ بِظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ،وَبِهِ أَقُولُ.وَمِنْ حُجَّةِ مَالِكٍ فِي اخْتِيَارِهِ حَدِيثَ الْقَاسِمِ الْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ،فِي أَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَ أَحَدًا سَبَقَهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا،وَأَنَّ السُّنَّةَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهَا أَنْ يَقْضِيَ الْمَأْمُومُونَ مَا سُبِقُوا بِهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ.وَقَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ فِي هَذَا الْبَابِ كَقَوْلِ مَالِكٍ،وَقَالَ أَحْمَدُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَارِ عِنْدَهُ،وَكَانَ لَا يَعِيبُ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنَ الْأَوْجُهِ الْمَرْوِيَّةِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ.وَذَهَبَ أَشْهَبُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r صَلَاةُ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ،ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ،وَجَاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ r رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ r،ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً.وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ:فَإِذَا كَانَ خَوْفٌ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ صَلَّى رَاكِبًا أَوْ قَائِمًا  يُومِئُ إِيمَاءً،أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمْ.وَإِلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ،وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ،قَالَ:لِأَنَّهُ أَصَحُّهَا إِسْنَادًا،وَقَدْ وَرَدَ بِنَقْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبِهِمُ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ،وَلِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْأُصُولِ،لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيةَ لَمْ يَقْضُوا الرَّكْعَةَ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِ النَّبِيِّ r مِنَ الصَّلَاةِ،وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ سُنَّتِهِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ.وَأَمَّا الْكُوفِيُّونَ:أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِلَّا أَبَا يُوسُفَ الْقَاضِيَ يَعْقُوبَ فَذَهَبُوا إِلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ،أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ:صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ r صَلَاةُ الْخَوْفِ فَقَامُوا صَفَّيْنِ،صَفًّا خَلْفَ النَّبِيِّ r وَصَفًّا مُسْتَقْبِلَ الْعَدُوِّ،فَصَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ r رَكْعَةً،وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَقَامُوا مَقَامَهُمْ،وَاسْتَقْبَلَ هَؤُلَاءِ الْعَدُوَّ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولِ اللَّهِ r ثُمَّ سَلَّمَ،فَقَامَ هَؤُلَاءِ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا ثُمَّ ذَهَبُوا فَقَامُوا مَقَامَ أُولَئِكَ مُسْتَقْبِلِينَ الْعَدُوَّ،وَرَجَعَ أُولَئِكَ إِلَى مَقَامِهِمْ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا.وَهَذِهِ الصِّفَةُ وَالْهَيْئَةُ هِيَ الْهَيْئَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ إِلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا،وَهُوَ أَنَّ قَضَاءَ أُولَئِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ يَظْهَرُ أَنَّهُ فِي حالة واحدة ويبقى الامام كالحارس وحده،وها هنا قَضَاؤُهُمْ مُتَفَرِّقٌ عَلَى صِفَةِ صَلَاتِهِمْ.وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ.وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الثَّوْرِيُّ- فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ عَنْهُ- وَأَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ عَنْهُ،وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ وَابْنُ يُونُسَ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْهُ.وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً وَلَمْ يَقْضُوا،وَهُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةٌ).وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ.وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي (الْبَقَرَةِ ) الْإِشَارَةُ إِلَى هَذَا،وَأَنَّ الصَّلَاةَ أَوْلَى بِمَا احْتِيطَ لَهَا،وَأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ،وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَغَيْرِهِ:(وَلَمْ يَقْضُوا ) أَيْ فِي عِلْمِ مَنْ رَوَى ذَلِكَ،لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ قَضَوْا رَكْعَةً فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ بِعَيْنِهَا،وَشَهَادَةُ مَنْ زَادَ أَوْلَى.وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَمْ يَقْضُوا،أَيْ لَمْ يَقْضُوا إِذَا أَمِنُوا،وَتَكُونُ فَائِدَةً أَنَّ الْخَائِفَ إِذَا أَمِنَ لَا يَقْضِي مَا صلى على تلك الهيئة مِنَ الصَّلَوَاتِ فِي الْخَوْفِ،قَالَ جَمِيعُهُ أَبُو عُمَرَ.وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عليه والسلام صَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا،وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ.قَالَ:فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ r أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ.وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَذَكَرَا فِيهِ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ.وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ،ثُمَّ صَلَّى بِالْآخَرِينَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ.قَالَ أَبُو دَاوُدَ:وَبِذَلِكَ كَانَ الْحَسَنُ يُفْتِي،وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ.وَبِهِ يَحْتَجُّ كُلُّ مَنْ أَجَازَ اخْتِلَافَ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الصَّلَاةِ،وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُدَ.وَعَضَّدُوا هَذَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ:أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ r الْعِشَاءَ ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ،الْحَدِيثَ.وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ:إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إِذْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ تُصَلِّيَ الْفَرِيضَةَ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ،وَاللَّهُ أَعْلَمُ.فَهَذِهِ أَقَاوِيلُ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ.

 الثَّالِثَةُ- وَهَذِهِ الصَّلَاةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهَا وَالْمُسْلِمُونَ مُسْتَدْبِرُونَ الْقِبْلَةَ وَوَجْهُ الْعَدُوِّ الْقِبْلَةُ،وَإِنَّمَا اتَّفَقَ هَذَا بِذَاتِ الرِّقَاعِ،فَأَمَّا بِعُسْفَانَ وَالْمَوْضِعِ الْآخَرِ فَالْمُسْلِمُونَ كَانُوا فِي قُبَالَةِ الْقِبْلَةِ.وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ سَبَبِ النُّزُولِ فِي قِصَّةِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لَا يُلَائِمُ تَفْرِيقَ الْقَوْمِ إِلَى طَائِفَتَيْنِ،فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ بَعْدَ قَوْلِهِ (فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) قَالَ:فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ r أَنْ يَأْخُذُوا السِّلَاحَ وَصَفَّنَا خَلْفَهُ صَفَّيْنِ،قَالَ:ثُمَّ رَكَعَ فَرَكَعْنَا جَمِيعًا،قَالَ:ثُمَّ رَفَعَ فَرَفَعْنَا جَمِيعًا،قَالَ:ثُمَّ سَجَدَ النَّبِيُّ r بِالصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ قَالَ:وَالْآخَرُونَ قِيَامٌ يَحْرُسُونَهُمْ،فَلَمَّا سَجَدُوا وَقَامُوا جَلَسَ الْآخَرُونَ فَسَجَدُوا فِي مَكَانِهِمْ،قَالَ:ثُمَّ تَقَدَّمَ هَؤُلَاءِ فِي مَصَافِّ هَؤُلَاءِ وَجَاءَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَصَافِّ هَؤُلَاءِ،قَالَ:ثُمَّ رَكَعَ فَرَكَعُوا جَمِيعًا،ثُمَّ رَفَعَ فَرَفَعُوا جَمِيعًا،ثُمَّ سَجَدَ النَّبِيُّ r وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ،وَالْأَخَرُونَ قِيَامٌ،يَحْرُسُونَهُمْ فَلَمَّا جَلَسَ الْآخَرُونَ سَجَدُوا ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ.قَالَ:فَصَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ r مَرَّتَيْنِ:مَرَّةً بِعُسْفَانَ وَمَرَّةً فِي أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ.وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ وَقَالَ:وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَهُوَ أَحْوَطُهَا.وَأَخْرَجَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَزَلَ بَيْنَ ضَجْنَانَ وَعُسْفَانَ،الْحَدِيثَ.وَفِيهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَدَعَهُمْ صَدْعَيْنِ وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً،فَكَانَتْ لِلْقَوْمِ رَكْعَةً رَكْعَةً،وَلِلنَّبِيِّ r رَكْعَتَانِ،قَالَ:حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الله ابن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ الصَّامِتِ،وَابْنِ عُمَرَ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي بَكْرٍ وَسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ.قُلْتُ:وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ،فَلَعَلَّهُ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةً كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي عَيَّاشٍ مُجْتَمِعِينَ،وَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةً أُخْرَى مُتَفَرِّقِينَ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ،وَيَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ صَلَاةُ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ.قَالَ الْخَطَّابِيُّ:صَلَاةُ الْخَوْفِ أَنْوَاعٌ صَلَّاهَا النَّبِيُّ r فِي أَيَّامٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَشْكَالٍ مُتَبَايِنَةٍ،يُتَوَخَّى فِيهَا كُلُّهَا مَا هُوَ أَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ وَأَبْلَغُ فِي الْحِرَاسَةِ.

 الرَّابِعَةُ- وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ،فَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r صَلَّى بِالْقَوْمِ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا،وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ،فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ r سِتًّا وَلِلْقَوْمِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا،وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ.وَالْجُمْهُورُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ عَلَى خِلَافِ هَذَا،وَهُوَ أَنَّهُ يُصَلِّي بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيةِ رَكْعَةً،وَتَقْضِي عَلَى اخْتِلَافِ أُصُولِهِمْ فِيهِ مَتَى يَكُونُ؟ [هَلْ ] قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ.هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ،لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لِهَيْئَةِ الصَّلَاةِ.وَقَالَ الشَّافِعِيُّ:يُصَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةٌ،لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَلَهَا لَيْلَةَ الْهَرِيرِ،وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

 الْخَامِسَةُ- وَاخْتَلَفُوا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ عِنْدَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ وَشِدَّةِ الْقِتَالِ وَخِيفَ خُرُوجُ الْوَقْتِ،فَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ:يُصَلِّي كَيْفَمَا أَمْكَنَ،لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ:فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيُصَلِّي رَاكِبًا أَوْ قَائِمًا يُومِئُ إِيمَاءً.قَالَ فِي الْمُوَطَّأِ:مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ وَغَيْرُ مُسْتَقْبِلِهَا،وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي (البقرة ) قول الضحاك وإسحاق.وقال الأوزاعي:إِنْ كَانَ تَهَيَّأَ الْفَتْحُ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الصَّلَاةِ صَلَّوْا إِيمَاءً كُلُّ امْرِئٍ لِنَفْسِهِ،فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْإِيمَاءِ أَخَّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْقِتَالُ وَيَأْمَنُوا فَيُصَلُّوا رَكْعَتَيْنِ،فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا صَلَّوْا رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ،فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا يُجْزِئُهُمُ التَّكْبِيرُ وَيُؤَخِّرُوهَا حَتَّى يَأْمَنُوا،وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ.قُلْتُ:وَحَكَاهُ الْكِيَا الطَّبَرِيُّ فِي (أَحْكَامِ الْقُرْآنِ) لَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ،قَالَ الْكِيَا:وَإِذَا كَانَ الْخَوْفُ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ الْتِحَامُ الْقِتَالِ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ يُصَلُّونَ عَلَى مَا أَمْكَنَهُمْ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَمُسْتَدْبِرِيهَا،وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الثَّلَاثَةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بَلْ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ.وَإِنْ قَاتَلُوا فِي الصَّلَاةِ قَالُوا:فَسَدَتِ الصَّلَاةُ وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إِنْ تَابَعَ الطَّعْنَ وَالضَّرْبَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ.قُلْتُ:وَهَذَا الْقَوْلُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ أَنَسٍ:حَضَرْتُ مُنَاهَضَةَ حِصْنِ تُسْتَرَ عِنْدَ إِضَاءَةِ الْفَجْرِ،وَاشْتَدَّ اشْتِعَالُ الْقِتَالِ فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى الصَّلَاةِ إِلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ،فَصَلَّيْنَاهَا وَنَحْنُ مَعَ أَبِي مُوسَى فَفُتِحَ لَنَا.قَالَ أَنَسٌ:وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا،ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَإِلَيْهِ كَانَ يَذْهَبُ شَيْخُنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ الْقَيْسِيُّ الْقُرْطُبِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي حِجَّةَ،وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ فِيمَا يَظْهَرُ،لِأَنَّهُ أَرْدَفَهُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ،قَالَ:جَاءَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَيَقُولُ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،مَا صَلَّيْتُ الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ،فَقَالَ النَّبِيُّ r:(وَأَنَا وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا) قَالَ:فَنَزَلَ إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَهَا.

 السَّادِسَةُ- وَاخْتَلَفُوا فِي صَلَاةِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ،فَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ هُمَا سَوَاءٌ،كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ.وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَفُقَهَاءُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ:لَا يُصَلِّي الطَّالِبُ إِلَّا بِالْأَرْضِ وَهُوَ الصَّحِيحُ،لِأَنَّ الطَّلَبَ تَطَوُّعٌ،وَالصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ فَرْضُهَا أَنْ تُصَلَّى بِالْأَرْضِ حَيْثُمَا أَمْكَنَ ذَلِكَ،وَلَا يُصَلِّيَهَا رَاكِبٌ إِلَّا خَائِفٌ شَدِيدٌ خَوْفُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّالِبُ.وَاللَّهُ أعلم.

 السَّابِعَةُ -وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْعَسْكَرِ إِذَا رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوهُ عَدُوًّا فَصَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ ثُمَّ بان لهم أنه غير شي،فَلِعُلَمَائِنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ:إِحْدَاهُمَا يُعِيدُونَ،وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.وَالثَّانِيةُ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِمْ،وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّهُمْ تَبَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَأُ فَعَادُوا إِلَى الصَّوَابِ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ.وَوَجْهُ الثَّانِيةِ أَنَّهُمْ عَمِلُوا عَلَى اجْتِهَادِهِمْ فَجَازَ لَهُمْ كَمَا لَوْ أَخْطَئُوا الْقِبْلَةَ،وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ.وَقَدْ يُقَالُ:يُعِيدُونَ فِي الْوَقْتِ،فَأَمَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ فَلَا.وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) وَقَالَ:(وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) هَذَا وَصَاةٌ بِالْحَذَرِ وَأَخْذِ السِّلَاحِ لِئَلَّا يَنَالَ الْعَدُوُّ أَمَلَهُ وَيُدْرِكَ فُرْصَتَهُ.وَالسِّلَاحُ مَا يَدْفَعُ بِهِ الْمَرْءُ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْحَرْبِ،قَالَ عَنْتَرَةُ:

كَسَوْتُ الْجَعْدَ جعد بَنِي أَبَانٍ ...سِلَاحِي بَعْدَ عُرْيٍ وَافْتِضَاحِ

يَقُولُ:أَعَرْتُهُ سِلَاحِي لِيَمْتَنِعَ بِهَا بَعْدَ عُرْيِهِ مِنَ السِّلَاحِ.قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:(وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) يَعْنِي الطَّائِفَةَ الَّتِي وُجَاهَ الْعَدُوِّ،لِأَنَّ الْمُصَلِّيَةَ لَا تُحَارِبُ.وَقَالَ غَيْرُهُ:هِيَ الْمُصَلِّيَةُ،أَيْ وَلْيَأْخُذِ الَّذِينَ صَلَّوْا أَوَّلًا أَسْلِحَتَهُمْ،ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ.قَالَ:وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ الَّذِينَ هُمْ فِي الصَّلَاةِ أُمِرُوا بِحَمْلِ السِّلَاحِ،أَيْ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِنَّهُ أَرْهَبُ لِلْعَدُوِّ.النَّحَّاسُ:يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْجَمِيعِ،لِأَنَّهُ أَهْيَبُ لِلْعَدُوِّ.وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلَّتِي وُجَاهَ الْعَدُوِّ خَاصَّةً.قَالَ أَبُو عُمَرَ:أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ لِلْمُصَلِّي أَخْذَ سِلَاحِهِ إِذَا صَلَّى فِي الْخَوْفِ،وَيَحْمِلُونَ قَوْلَهُ (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) عَلَى النَّدْبِ،لأنه شي لَوْلَا الْخَوْفُ لَمْ يَجِبْ أَخْذُهُ،فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ نَدْبًا.وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ:أَخْذُ السِّلَاحِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَاجِبٌ لِأَمْرِ اللَّهِ بِهِ،إِلَّا لِمَنْ كَانَ بِهِ أَذًى مِنْ مَطَرٍ،فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ جَازَ لَهُ وَضْعُ سِلَاحِهِ.قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إِذَا صَلَّوْا أَخَذُوا سِلَاحَهُمْ عِنْدَ الْخَوْفِ،وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ.وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:لَا يَحْمِلُونَهَا،لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ حَمْلُهَا لَبَطَلَتِ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا.قُلْنَا:لَمْ يَجِبْ حَمْلُهَا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ قُوَّةً لَهُمْ وَنَظَرًا.

 التَّاسِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(فَإِذا سَجَدُوا) الضَّمِيرُ فِي (سَجَدُوا) لِلطَّائِفَةِ الْمُصَلِّيَةِ فَلْيَنْصَرِفُوا،هَذَا عَلَى بَعْضِ الْهَيْئَاتِ الْمَرْوِيَّةِ.وَقِيلَ:الْمَعْنَى فَإِذَا سَجَدُوا رَكْعَةَ الْقَضَاءِ،وَهَذَا عَلَى هَيْئَةِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ.وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ قَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الصَّلَاةِ،وَهُوَ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:(إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فليسجد سجدتين).أي فليل رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ فِي السُّنَّةِ.وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ:(فَلْيَكُونُوا) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلَّذِينَ سَجَدُوا،وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلطَّائِفَةِ الْقَائِمَةِ أَوَّلًا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ.الْعَاشِرَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أَيْ تَمَنَّى وَأَحَبَّ الْكَافِرُونَ غَفْلَتَكُمْ عَنْ أَخْذِ السِّلَاحِ لِيَصِلُوا إِلَى مَقْصُودِهِمْ،فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا وَجْهَ الْحِكْمَةِ فِي الْأَمْرِ بِأَخْذِ السِّلَاحِ،وَذَكَرَ الْحَذَرَ فِي الطَّائِفَةِ الثَّانِيةِ دُونَ الْأُولَى،لِأَنَّهَا أَوْلَى بِأَخْذِ الْحَذَرِ،لِأَنَّ الْعَدُوَّ لَا يُؤَخِّرُ قَصْدَهُ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ لِأَنَّهُ آخِرُ الصَّلَاةِ،وَأَيْضًا يَقُولُ الْعَدُوُّ قَدْ أَثْقَلَهُمُ السِّلَاحُ وَكَلُّوا.وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى تَعَاطِي الْأَسْبَابِ،وَاتِّخَاذِ كُلِّ مَا يُنْجِي ذَوِي الْأَلْبَابِ،وَيُوصِلُ إِلَى السَّلَامَةِ،وَيُبَلِّغُ دَارَ الْكَرَامَةِ.وَمَعْنَى (مَيْلَةً واحِدَةً) مُبَالَغَةً،أَيْ مُسْتَأْصِلَةً لَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى ثَانِيَةٍ.الْحَادِيَةُ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ) الْآيَةَ.لِلْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ حَمْلِ السِّلَاحِ فِي الصَّلَاةِ كَلَامٌ قَدْ أَشَرْنَا إِلَيْهِ،فَإِنْ لَمْ يَجِبْ فَيُسْتَحَبُّ لِلِاحْتِيَاطِ.ثُمَّ رُخِّصَ فِي الْمَطَرِ وَضْعُهُ،لِأَنَّهُ تَبْتَلُّ الْمُبَطَّنَاتُ وَتَثْقُلُ وَيَصْدَأُ الْحَدِيدُ.وَقِيلَ:نَزَلَتْ فِي النَّبِيِّ r يَوْمَ بَطْنِ نَخْلَةَ «1» لَمَّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ،وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمًا مَطِيرًا وَخَرَجَ النَّبِيُّ r لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ وَاضِعًا سِلَاحَهُ،فَرَآهُ الْكُفَّارُ مُنْقَطِعًا عَنْ أَصْحَابِهِ فَقَصَدَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ فَانْحَدَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْجَبَلِ بِسَيْفِهِ،فَقَالَ:مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي الْيَوْمَ؟ فَقَالَ:(اللَّهُ) ثُمَّ قَالَ:(اللَّهُمَّ اكْفِنِي الْغَوْرَثَ بِمَا شِئْتَ).فَأَهْوَى بِالسَّيْفِ إِلَى النَّبِيِّ r لِيَضْرِبَهُ،فَانْكَبَّ لِوَجْهِهِ لِزَلَقَةٍ زَلِقَهَا.وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ جبريل عليه السَّلَامُ دَفَعَهُ فِي صَدْرِهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْمَائِدَةِ،وَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَهُ النبي r وقال:(من يَمْنَعُكَ مِنِّي يَا غَوْرَثُ)؟ فَقَالَ:لَا أَحَدَ.فَقَالَ (تَشْهَدُ لِي بِالْحَقِّ وَأُعْطِيكَ سَيْفَكَ)؟ قَالَ:لَا،وَلَكِنْ أَشْهَدُ أَلَّا أُقَاتِلَكَ بَعْدَ هَذَا وَلَا أُعِينَ عَلَيْكَ عَدُوًّا،فَدَفَعَ إِلَيْهِ السَّيْفَ وَنَزَلَتِ الْآيَةُ رُخْصَةً فِي وَضْعِ السِّلَاحِ فِي الْمَطَرِ.وَمَرِضَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِنْ جُرْحٍ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ،فَرَخَّصَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ فِي تَرْكِ السِّلَاحِ وَالتَّأَهُّبِ لِلْعَدُوِّ بِعُذْرِ الْمَطَرِ،ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَقَالَ:(خُذُوا حِذْرَكُمْ) أَيْ كُونُوا مُتَيَقِّظِينَ،وَضَعْتُمُ السِّلَاحَ أَوْ لَمْ تَضَعُوهُ.وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِ التَّأَهُّبِ وَالْحَذَرِ مِنَ الْعَدُوِّ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَتَرْكِ الِاسْتِسْلَامِ،فَإِنَّ الْجَيْشَ مَا جَاءَهُ مُصَابٌ قَطُّ إِلَّا مِنْ تَفْرِيطٍ فِي حَذَرٍ.وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:(وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) يَعْنِي تَقَلَّدُوا سُيُوفَكُمْ فإن ذلك هيئة الغزاة."[27]

 

_____________

 


المبحث الثاني

الأحكام الفقهية لصلاة الخوف

 

التَّعْرِيفُ :

أَمَّا الْخَوْفُ :فَهُوَ تَوَقُّعُ مَكْرُوهٍ عَنْ أَمَارَةٍ مَظْنُونَةٍ أَوْ مُتَحَقَّقَةٍ،وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْخَائِفِ،أَوْ بِحَذْفِ مُضَافٍ :الصَّلاَةُ فِي حَالَةِ الْخَوْفِ [28]وَيُطْلَقُ عَلَى الْقِتَال،وَبِهِ فَسَّرَ اللِّحْيَانِيُّ قَوْله تَعَالَى :{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } [البقرة:155] كَمَا فَسَّرَ قَوْله تَعَالَى :{وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:83] .

وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ إِضَافَةِ الصَّلاَةِ إِلَى الْخَوْفِ أَنَّ الْخَوْفَ يَقْتَضِي صَلاَةً مُسْتَقِلَّةً كَقَوْلِنَا :صَلاَةُ الْعِيدِ،وَلاَ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي قَدْرِ الصَّلاَةِ وَوَقْتِهَا كَالسَّفَرِ،فَشُرُوطُ الصَّلاَةِ،وَأَرْكَانُهَا،وَسُنَنُهَا،وَعَدَدُ رَكَعَاتِهَا فِي الْخَوْفِ كَمَا فِي الأَْمْنِ،وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الْخَوْفَ يُؤَثِّرُ فِي كَيْفِيَّةِ إِقَامَةِ الْفَرَائِضِ إِذَا صُلِّيَتْ جَمَاعَةً،وَأَنَّ الصَّلاَةَ فِي حَالَةِ الْخَوْفِ تَحْتَمِل أُمُورًا لَمْ تَكُنْ تَحْتَمِلْهَا فِي الأَْمْنِ،وَصَلاَةُ الْخَوْفِ هِيَ :الصَّلاَةُ الْمَكْتُوبَةُ يَحْضُرُ وَقْتُهَا وَالْمُسْلِمُونَ فِي مُقَاتَلَةِ الْعَدُوِّ أَوْ فِي حِرَاسَتِهِمْ[29].

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ :

ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ صَلاَةِ الْخَوْفِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ r وَبَعْدَ وَفَاتِهِ،وَإِلَى أَنَّهَا لاَ تَزَال مَشْرُوعَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْكِتَابِ،قَال تَعَالَى :{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء:102].

وَخِطَابُ النَّبِيِّ r خِطَابٌ لأُِمَّتِهِ،مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ ؛ لأَِنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِهِ،وَتَخْصِيصُهُ بِالْخِطَابِ لاَ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالْحُكْمِ،كَمَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ الْقَوْلِيَّةِ،فعَنْ أَبِي قِلاَبَةَ،قَالَ:حَدَّثَنَا مَالِكٌ،أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ r وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ،فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً،وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ r رَحِيمًا رَفِيقًا،فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا - أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا - سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا،فَأَخْبَرْنَاهُ،قَالَ:«ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ،فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ - وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لاَ أَحْفَظُهَا - وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي،فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ،وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ»[30] وَهُوَ عَامٌّ .

وَالسُّنَّةِ الْفِعْلِيَّةِ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - r - صَلاَّهَا،وَبِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ.

فَقَدْ ثَبَتَ بِالآْثَارِ الصَّحِيحَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ صَلَّوْهَا فِي مَوَاطِنَ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُول r فِي مَجَامِعَ بِحَضْرَةِ كِبَارٍ مِنَ الصَّحَابَةِ،وَمِمَّنْ صَلاَّهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حُرُوبِهِ بِصِفِّينَ وَغَيْرِهَا،وَحَضَرَهَا مِنَ الصُّحْبَةِ خَلاَئِقُ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ :سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ،وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبُو مُوسَى الأَْشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَدْ رَوَى أَحَادِيثَهُمُ الْبَيْهَقِيُّ وَبَعْضُهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد .

وَلَمْ يَقُل أَحَدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَأَوْا صَلاَةَ النَّبِيِّ r فِي الْخَوْفِ بِتَخْصِيصِهَا بِالنَّبِيِّ r .

وَقَال أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ :كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِالنَّبِيِّ r وَاحْتَجَّ بِالآْيَةِ السَّابِقَةِ[31]

وَذَهَبَ الْمُزَنِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ صَلاَةَ الْخَوْفِ كَانَتْ مَشْرُوعَةً ثُمَّ نُسِخَتْ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ r فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ،وَلَوْ كَانَتْ صَلاَةُ الْخَوْفِ جَائِزَةً لَفَعَلَهَا  .[32]

وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ:الشَّرْطُ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّعْلِيمِ لَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ كَالْخَوْفِ فِي قَوْله تَعَالَى {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء:101] وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ:كَانَ أَبُو يُوسُفَ قَدْ قَالَ مَرَّةً:لَا تُصَلَّى صَلَاةُ الْخَوْفِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - r -،وَزَعَمَ أَنَّ النَّاسَ إنَّمَا صَلَّوْهَا مَعَهُ - r - لِفَضْلِ الصَّلَاةِ مَعَهُ.قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدنَا لَيْسَ بِشَيْءٍ.اهـ.

وَأَيْضًا الْأَصْلُ تَسَاوِي الْأُمَّةَ فِي الْأَحْكَامِ الْمَشْرُوعَةِ فَلَا يُقْبَلُ التَّخْصِيصُ بِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ إلَّا بِدَلِيلٍ،وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ الْجُمْهُورُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى فِعْلِ هَذِهِ الصَّلَاةِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ - r - وَبِقَوْلِ النَّبِيِّ - r -:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَعُمُومُ مَنْطُوقِ هَذَا الْحَدِيثِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَفْهُومِ.[33]

حكمة مشروعية صلاة الخوف:

الصلاة صلة بين العبد وربه،وعلاقة العبد بربه لا تنقطع أبداً ما دام حياً عاقلاً،ولأهمية الصلاة ومنفعتها فإنها لا تسقط عن العبد بحال،فإذا كان المسلمون في ساحة الجهاد في سبيل الله،وخافوا من عدوهم أن يأخذهم على غرّة،جاز لهم أن يصلوا صلاة الخوف كما ثبت في السنة.[34]

وفيه حرص الإسلام على أداء الصلاة جماعة،لتظل رابطة التجمع قوية صلبة دائمة،حتى في أشد أوقات المحن والمخاطر والأزمات.[35]

إن المتأمل في أسرار هذا القرآن وفي أسرار المنهج الرباني للتربية، المتمثل فيه، يطلع على عجب من اللفتات النفسية، النافذة إلى أعماق الروح البشرية. ومنها هذه اللفتة في ساحة المعركة إلى الصلاة ..

إن السياق القرآني لا يجيء بهذا النص هنا لمجرد بيان الحكم «الفقهي» في صفة صلاة الخوف. ولكنه يحشد هذا النص في حملة التربية والتوجيه والتعليم والإعداد للصف المسلم وللجماعة المسلمة.

وأول ما يلفت النظر هو الحرص على الصلاة في ساحة المعركة! ولكن هذا طبيعي بل بديهي في الاعتبار الإيماني. إن هذه الصلاة سلاح من أسلحة المعركة. بل إنها السلاح! فلا بد من تنظيم استخدام هذا السلاح، بما يتناسب مع طبيعة المعركة، وجو المعركة!

ولقد كان أولئك الرجال - الذين تربوا بالقرآن وفق المنهج الرباني - يلقون عدوهم بهذا السلاح الذي يتفوقون فيه قبل أي سلاح. لقد كانوا متفوقين في إيمانهم بإله واحد يعرفونه حق المعرفة ويشعرون أنه معهم في المعركة. متفوقين كذلك في إيمانهم بهدف يقاتلون من أجله ويشعرون أنه أرفع الأهداف جميعا. متفوقين أيضا في تصورهم للكون والحياة ولغاية وجودهم الإنساني، تفوقهم في تنظيمهم الاجتماعي الناشئ من تفوق منهجهم الرباني .. وكانت الصلاة رمزا لهذا كله، وتذكيرا بهذا كله. ومن ثم كانت سلاحا في المعركة.

بل كانت هي السلاح! والأمر الثاني الذي يلفت النظر في هذا النص هو هذه التعبئة الروحية الكاملة تجاه العدو. وهذا الحذر الذي يوصى المؤمنون به تجاه عدوهم الذي يتربص بهم لحظة غفلة واحدة عن أسلحتهم وأمتعتهم، ليميل عليهم ميلة واحدة! ومع هذا التحذير والتخويف، التطمين والتثبيت إذ يخبرهم أنهم إنما يواجهون قوما كتب الله عليهم الهوان: «إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً» .. وهذا التقابل بين التحذير والتطمين وهذا التوازن بين استثارة حاسة الحذر وسكب فيض الثقة هو طابع هذا المنهج في تربية النفس المؤمنة والصف المسلم، في مواجهة العدو الماكر العنيد اللئيم! ....

«وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ. وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ، فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً» .. وهي رغبة في نفوس الكفار تجاه المؤمنين دائمة. والسنون تتوالى، والقرون تمر، فتؤكد هذه الحقيقة، التي وضعها الله في قلوب المجموعة المؤمنة الأولى. وهو يضع لها الخطط العامة للمعركة. كما يضع لها الخطة الحركية أحيانا. على هذا النحو الذي رأينا في صلاة الخوف.

على أن هذا الحذر، وهذه التعبئة النفسية، وهذا الاستعداد بالسلاح المستمر، ليس من شأنه أن يوقع المسلمين في المشقة. فهم يأخذون منه بقدر الطاقة: «وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ، أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى، أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ» فحمل السلاح في هذه الحالة يشق، ولا يفيد. ويكفي أخذ الحذر وتوقع عون الله ونصره: «وَخُذُوا حِذْرَكُمْ. إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً» ..

ولعل هذا الاحتياط، وهذه اليقظة، وهذا الحذر يكون أداة ووسيلة لتحقيق العذاب المهين الذي أعده الله للكافرين. فيكون المؤمنون هم ستار قدرته وأداة مشيئته .. وهي الطمأنينة مع ذلك الحذر والثقة في النصر على قوم أعد الله لهم عذابا مهينا .. «فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ. فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ. إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً» ..

وهكذا يوجههم إلى الاتصال بالله في كل حال، وفي كل وضع، إلى جانب الصلاة .. فهذه هي العدة الكبرى، وهذا هو السلاح الذي لا يبلى ..

فأما حين الاطمئنان «فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ» .. أقيموها كاملة تامة بلا قصر - قصر الخوف الذي تحدثنا عنه - فهي فريضة ذات وقت محدد لأدائها. ومتى زالت أسباب الرخصة في صفة من صفاتها عادت إلى صفتها المفروضة الدائمة.[36]

أول مشروعيتها :

عَنْ جَابِرٍ،قَالَ:" غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ r قَوْمًا مِنْ جُهَيْنَةَ،فَقَاتَلُونَا قِتَالًا شَدِيدًا،فَلَمَّا صَلَّيْنَا الظُّهْرَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ:لَوْ مِلْنَا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً لَاقْتَطَعْنَاهُمْ،فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللهِ r ذَلِكَ،فَذَكَرَ ذَلِكَ لَنَا رَسُولُ اللهِ r،قَالَ:وَقَالُوا:إِنَّهُ سَتَأْتِيهِمْ صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَوْلَادِ،فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ قَالَ:صَفَّنَا صَفَّيْنِ،وَالْمُشْرِكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ،قَالَ:فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ r وَكَبَّرْنَا،وَرَكَعَ فَرَكَعْنَا،ثُمَّ سَجَدَ،وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ،فَلَمَّا قَامُوا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي،ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ،وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِي،فَقَامُوا مَقَامَ الْأَوَّلِ،فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ r،وَكَبَّرْنَا،وَرَكَعَ،فَرَكَعْنَا،ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ،وَقَامَ الثَّانِي،فَلَمَّا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي،ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا،سَلَّمَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ r ".قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ:ثُمَّ خَصَّ جَابِرٌ أَنْ قَالَ:كَمَا يُصَلِّي أُمَرَاؤُكُمْ هَؤُلَاءِ "[37]

هيئة الصلاة في الحضر والسفر:

الصلوات الخمس فرض عين على كل مسلم ومسلمة حضراً وسفراً،وتختلف هيئتها ومقادير ركعاتها ومكان أدائها حسب حال الإنسان في الحضر،أو السفر،أو الصحة،أو المرض،أو الأمن،أو الخوف كما يلي:

1 - إذا كان المسلم مقيماً في بلده،فهذا يصلي صلاة كاملة الأركان والعدد.

2 - إذا كان في سفر لا خوف معه قَصَر عدد الركعات فقط.

3 - إذا كان خوف لا سفر معه قَصَر الأركان وحدها دون العدد.

4 - إذا اجتمع الخوف والسفر قَصَر أركان الصلاة وعددها.

قال الله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)} [النساء:101].[38]

مَوَاطِنُ جَوَازِ صَلاَةِ الْخَوْفِ :

تَجُوزُ صَلاَةُ الْخَوْفِ عِنْدَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فِي قِتَال الْحَرْبِيِّينَ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} [النساء:102] الآْيَةَ،وَكَذَلِكَ تَجُوزُ فِي كُل قِتَالٍ مُبَاحٍ،كَقِتَال أَهْل الْبَغْيِ،وَقُطَّاعِ الطُّرُقِ،وَقِتَال مَنْ قَصَدَ إِلَى نَفْسِ شَخْصٍ،أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ،قِيَاسًا عَلَى قِتَال الْحَرْبِيِّينَ،وَجَاءَ فِي الحديث عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ:«مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ،وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ،وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ،وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»[39] .

وَالرُّخْصَةُ فِي هَذَا النَّوْعِ لاَ تَخْتَصُّ بِالْقِتَال،بَل مُتَعَلِّقٌ بِالْخَوْفِ مُطْلَقًا[40].فَلَوْ هَرَبَ مِنْ سَيْلٍ،أَوْ حَرِيقٍ وَلَمْ يَجِدْ مَعْدِلاً عَنْهُ،أَوْ هَرَبَ مِنْ سَبُعٍ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلاَةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ،إِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَخَافَ فَوْتَ الصَّلاَةِ،وَكَذَا الْمَدْيُونُ الْمُعْسِرُ الْعَاجِزُ عَنْ إِثْبَاتِ إِعْسَارِهِ،وَلاَ يُصَدِّقُهُ الْمُسْتَحِقُّ،وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ ظَفِرَ بِهِ حَبَسَهُ[41].

وَلاَ تَجُوزُ فِي الْقِتَال الْمُحَرَّمِ كَقِتَال أَهْل الْعَدْل،وَقِتَال أَهْل الأَْمْوَال لأَِخْذِ أَمْوَالِهِمْ،وَقِتَال الْقَبَائِل عَصَبِيَّةً،وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ لأَِنَّهَا رُخْصَةٌ وَتَخْفِيفٌ،فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَمَتَّعَ بِهَا الْعُصَاةُ ؛ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ إِعَانَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ،وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ،وَتَجُوزُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ،وَالْفَرْضِ،وَالنَّفَل غَيْرِ الْمُطْلَقِ،وَالأَْدَاءِ،وَالْقَضَاءِ [42] .

وقال الشوكاني :" وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي الْحَضَرِ،فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ وَالْهَادَوِيَّةُ وَأَجَازَهُ الْبَاقُونَ احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء:101] وَرُدَّ بِمَا تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ،وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ النَّبِيَّ - r - لَمْ يَفْعَلهَا إلَّا فِي سَفَرٍ.وَرُدَّ بِأَنَّ اعْتِبَارَ السَّفَرِ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا سَبَبٍ،وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يُصَلِّي إلَّا عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ الْكَافِرِ.وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِأَنَّهُ - r - لَمْ يُصَلِّهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَفَاتَ عَلَيْهِ الْعَصْرَانِ وَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ،وَلَوْ كَانَتْ جَائِزَةً فِي الْحَضَرِ لَفَعَلَهَا.

فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالشَّافِعِيُّ "[43]

كَيْفِيَّةُ صَلاَةِ الْخَوْفِ :

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ صَلاَةِ الْخَوْفِ ؛ لِتَعَدُّدِ الرِّوَايَاتِ عَنِ النَّبِيِّ r فِي كَيْفِيَّتِهَا،وَأَخَذَ كُل صِفَةٍ مِنَ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ عَنِ النَّبِيِّ r طَائِفَةٌ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ.كَمَا اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الأَْنْوَاعِ الْوَارِدَةِ عَنِ النَّبِيِّ r.فَقَال الشَّافِعِيَّةُ :إِنَّ الأَْنْوَاعَ الَّتِي جَاءَتْ فِي الأَْخْبَارِ سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا،كَمَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ،وَبَعْضُهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ،وَبَعْضُهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ،وَفِي ابْنِ حِبَّانَ مِنْهَا تِسْعَةٌ .

وَقَال ابْنُ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ :إِنَّ النَّبِيَّ r صَلاَّهَا فِي عَشْرَةِ مَوَاطِنَ،وَقَال أَحْمَدُ :أَنَّهَا وَرَدَتْ فِي سِتَّةِ أَوْجُهٍ أَوْ سَبْعَةٍ،وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْصَل أَنْوَاعَهَا إِلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ نَوْعًا،وَكُلُّهَا جَائِزٌ،فَقَال أَحْمَدُ :كُل حَدِيثٍ يُرْوَى فِي أَبْوَابِ صَلاَةِ الْخَوْفِ فَالْعَمَل بِهِ جَائِزٌ ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ - r - صَلاَّهَا فِي مَرَّاتٍ،وَأَيَّامٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَشْكَالٍ مُتَبَايِنَةٍ،يَتَحَرَّى فِي كُلِّهَا مَا هُوَ أَحْوَطُ لِلصَّلاَةِ،وَأَبْلَغُ فِي الْحِرَاسَةِ،فَهِيَ عَلَى اخْتِلاَفِ صُوَرِهَا مُتَّفِقَةٌ فِي الْمَعْنَى [44] .

عَدَدُ رَكَعَاتِ صَلاَةِ الْخَوْفِ :

لاَ يُنْتَقَصُ عَدَدُ رَكَعَاتِ الصَّلاَةِ بِسَبَبِ الْخَوْفِ،فَيُصَلِّي الإِْمَامُ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ،إِنْ كَانُوا مُسَافِرِينَ وَأَرَادُوا قَصْرَ الصَّلاَةِ،أَوْ كَانَتِ الصَّلاَةُ مِنْ ذَوَاتِ رَكْعَتَيْنِ،كَصَلاَةِ الْفَجْرِ،أَوِ الْجُمُعَةِ،وَيُصَلِّي بِهِمْ ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا إِنْ كَانَتِ الصَّلاَةُ مِنْ ذَوَاتِ الثَّلاَثِ،أَوِ الأَْرْبَعِ وَكَانُوا مُقِيمِينَ،أَوْ مُسَافِرِينَ أَرَادُوا الإِْتْمَامَ .وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ،وَهُوَ قَوْل عَامَّةِ الصَّحَابَةِ .

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r صَلَّى بِذِي قَرَدٍ صَلَاةَ الْخَوْفِ رَكْعَةً رَكْعَةً،وَلَمْ يَقْضُوا»[45]  .

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،قَالَ :فَرَضَ اللَّهُ صَلاَةَ الْحَضَرِ أَربَعًا وَصَلاَةَ السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَالْخَوْفِ رَكْعَةً عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ،أَوَ قَالَ نَبِيِّكُمْ r.[46]

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،قَالَ:«صَلَاةُ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ»[47]

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:«فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ r أَرْبَعًا فِي الْحَضَرِ،وَرَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ،وَرَكْعَةً فِي الْخَوْفِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَلَّدُوهُ،وَجَعَلُوهُ أَصْلًا فَجَعَلُوا صَلَاةَ الْخَوْفِ رَكْعَةً.فَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء:102] فَفَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ،وَنَصُّ فَرْضِهَا فِي كِتَابِهِ هَكَذَا.وَجَعَلَ صَلَاةَ الطَّائِفَةِ بَعْدَ تَمَامِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ.فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْإِمَامَ يُصَلِّيهَا فِي حَالِ الْخَوْفِ رَكْعَتَيْنِ،وَهَذَا خِلَافُ هَذَا الْحَدِيثِ،وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ بِحَدِيثٍ يَدْفَعُهُ نَصُّ الْكِتَابِ.ثُمَّ قَدْ عَارَضَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا غَيْرُهُ،فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:«صَلَّى رَسُولُ اللهِ r بِذِي قَرَدٍ،صَلَاةَ الْخَوْفِ وَالْمُشْرِكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ،فَصَفَّ صَفًّا خَلْفَهُ وَصَفًّا مُوَازِيَ الْعَدُوِّ،فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَصَافِّ هَؤُلَاءِ وَرَجَعَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَصَافِّ هَؤُلَاءِ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً،ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ r رَكْعَتَانِ وَلِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةٌ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:فَهَذَا عُبَيْدِ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَدْ رَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مَا خَالَفَ مَا رَوَى مُجَاهِدٌ عَنْهُ،وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ عَلَىالْإِمَامِ رَكْعَةً فَيُصَلِّيَهَا بِأُخْرَى بِلَا قُعُودٍ لِلتَّشَهُّدِ،وَلَا تَسْلِيمٍ.فَلَمَّا تَضَادَّ الْخَبَرَانِ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا تَنَافَيَا،وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِمُجَاهِدٍ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ; لِأَنَّ خَصْمَهُ يَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِعُبَيْدِ اللهِ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بِخِلَافِ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالُوا:فَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مَا يُوَافِقُ مَا قُلْنَا

وَقَدْ تَقَدَّمَتْ حُجَّتُنَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ النَّبِيَّ r مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْفَرْضُ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَصِلُهَا بِأُخْرَى لَا يُسَلِّمُ بَيْنَهُمَا.فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ فَرْضَ صَلَاةِ الْخَوْفِ رَكْعَتَانِ عَلَىالْإِمَامِ ثُمَّ لَمْ يُذَكِّرِ الْمَأْمُومِينَ بِقَضَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْآثَارِ.فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونُوا قَضَوْا وَلَا بُدَّ فِيمَا يُوجِبُهُ النَّظَرُ مِنْ أَنْ يَكُونُوا قَدْ قَضَوْا رَكْعَةً رَكْعَةً لِأَنَّا رَأَيْنَا الْفَرْضَ عَلَى الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْأَمْنِ،وَالْإِقَامَةِ مِثْلَ الْفَرْضِ عَلَى الْمَأْمُومِ سَوَاءً،وَكَذَلِكَ الْفَرْضُ عَلَيْهِمَا فِي صَلَاةِ الْأَمْنِ فِي السَّفَرِ سَوَاءٌ،وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ فَرْضُهُ رَكْعَةً فَيَدْخُلُ مَعَ غَيْرِهِ مِمَّنْ فَرْضُهُ رَكْعَتَانِ إِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ مَا وَجَبَ عَلَى إِمَامِهِ.أَلَا تَرَى أَنَّ مُسَافِرًا لَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ مُقِيمٍ صَلَّى أَرْبَعًا فَكَانَ الْمَأْمُومُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى إِمَامِهِ،وَيَزِيدُ فَرْضُهُ بِزِيَادَةِ فَرْضِ إِمَامِهِ،وَقَدْ يَكُونُ عَلَى الْمَأْمُومِ مَا لَيْسَ عَلَى إِمَامِهِ.مِنْ ذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا الْمُقِيمَ يُصَلِّي خَلْفَ الْمُسَافِرِ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ،ثُمَّ يَقُومُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقْضِي تَمَامَ صَلَاةِ الْمُقِيمِ فَكَانَ الْمَأْمُومُ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ عَلَى إِمَامِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَى إِمَامِهِ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ.فَلَمَّا ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا وُجُوبُ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَىالْإِمَامِ ثَبَتَ أَنَّ مِثْلَهُمَا عَلَى الْمَأْمُومِ.وَقَدْ رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ مِنْ قَوْلِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا تَأَوَّلْنَا فِي حَدِيثِهِ وَحَدِيثِ زَيْدٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمْ قَضَوْا رَكْعَةً رَكْعَةً،فعَنْ حُذَيْفَةَ،قَالَ:«صَلَاةُ الْخَوْفِ رَكْعَتَانِ وَأَرْبَعُ سَجَدَاتٍ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ:فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا فَعَلُوا كَذَلِكَ مَعَ رَسُولِ اللهِ r فِي الْأَحَادِيثِ الْأُوَلِ.ثُمَّ اعْتَبَرْنَا الْآثَارَ،هَلْ نَجِدُ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا؟  

وعَنْ أَبِي مُوسَى «أَنَّ رَسُولَ اللهِ r صَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ رَكْعَةً،وَكَانَتْ طَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ،فَلَمَّا صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً سَلَّمَ،فَنَكَصُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى إِخْوَانِهِمْ،ثُمَّ جَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللهِ r رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ،فَقَامَ كُلُّ فَرِيقٍ،فَصَلَّوْا رَكْعَةً رَكْعَةً» فَقَدْ أَخْبَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ قَضَوْا،وَبَيَّنَ مَا وَصَفْنَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي الْآثَارِ الْأُوَلِ وَكَانَ قَوْلُهُ ثُمَّ سَلَّمَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَلَامًا لَا يُرِيدُ بِهِ قَطْعَ الصَّلَاةِ وَلَكِنْ يُرِيدُ بِهِ إِعْلَامَ الْمَأْمُومِينَ مَوْضِعَ الِانْصِرَافِ"[48]

بَعْضُ الأَْنْوَاعِ الْمَرْوِيَّةِ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ :

الأَْوَّل :صَلاَتُهُ r :بِذَاتِ الرِّقَاعِ

فَيُفَرِّقُ الإِْمَامُ الْجَيْشَ إِلَى فِرْقَتَيْنِ :فِرْقَةٍ تَحْمِل فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ،وَفِرْقَةٍ يَنْحَازُ بِهَا إِلَى حَيْثُ لاَ تَبْلُغُهُمْ سِهَامُ الْعَدُوِّ،فَيَفْتَتِحُ بِهِمُ الصَّلاَةَ،وَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً فِي الثُّنَائِيَّةِ :الصُّبْحِ وَالْمَقْصُورَةِ،وَرَكْعَتَيْنِ فِي الثُّلاَثِيَّةِ وَالرُّبَاعِيَّةِ،هَذَا الْقَدْرُ مِنْ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ اتَّفَقَتِ الْمَذَاهِبُ الأَْرْبَعَةُ عَلَيْهِ .

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَفْعَل بَعْدَ ذَلِكَ،فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَامَ إِلَى الثَّانِيَةِ فِي الثُّنَائِيَّةِ،وَإِلَى الثَّالِثَةِ فِي الثُّلاَثِيَّةِ وَالرُّبَاعِيَّةِ خَرَجَ الْمُقْتَدُونَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ،وَأَتَمُّوا الصَّلاَةَ لأَِنْفُسِهِمْ،وَذَهَبُوا إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ،وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْحَارِسَةُ.وَيُطِيل الإِْمَامُ إِلَى لُحُوقِهِمْ،فَإِذَا لَحِقُوهُ صَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فِي الثُّنَائِيَّةِ،وَالثَّالِثَةَ فِي الثُّلاَثِيَّةِ،وَالثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مِنْ صَلاَتِهِ،فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا وَأَتَمُّوا الصَّلاَةَ،وَالإِْمَامُ يَنْتَظِرُهُمْ،فَإِذَا لَحِقُوهُ سَلَّمَ بِهِمْ .

إِلاَّ أَنَّ مَالِكًا قَال :يُسَلِّمُ الإِْمَامُ وَلاَ يَنْتَظِرُهُمْ،فَإِذَا سَلَّمَ قَضَوْا مَا فَاتَهُمْ مِنَ الصَّلاَةِ مِنْ رَكْعَةٍ،أَوْ رَكْعَتَيْنِ بِفَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ جَهْرًا فِي الْجَهْرِيَّةِ .

وَقَدِ اخْتَارَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ هَذِهِ الصِّفَةَ لِسَلاَمَتِهَا مِنْ كَثْرَةِ الْمُخَالَفَةِ وَلأَِنَّهَا أَحْوَطُ لأَِمْرِ

الْحَرْبِ،وَأَقَل مُخَالَفَةً لِقَاعِدَةِ الصَّلاَةِ [49] .

وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ :إِذَا قَامَ إِلَى الثَّانِيَةِ لَمْ يُتِمَّ الْمُقْتَدُونَ بِهِ الصَّلاَةَ بَل يَذْهَبُونَ إِلَى مَكَانِ الْفِرْقَةِ الْحَارِسَةِ وَهُمْ فِي الصَّلاَةِ فَيَقِفُونَ سُكُوتًا،وَتَأْتِي تِلْكَ الطَّائِفَةُ وَتُصَلِّي مَعَ الإِْمَامِ رَكْعَتَهُ الثَّانِيَةَ فَإِذَا سَلَّمَ ذَهَبَتْ إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ،وَجَاءَ الأَْوَّلُونَ إِلَى مَكَانِ الصَّلاَةِ وَأَتَمُّوا أَفْذَاذًا،وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُْخْرَى،وَصَلَّوْا مَا بَقِيَ لَهُمْ مِنَ الصَّلاَةِ وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا [50] .وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ .

الثَّانِي :أَنْ يَجْعَل الإِْمَامُ الْجَيْشَ فِرْقَتَيْنِ :

 فِرْقَةً فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ،وَفِرْقَةً يُحْرِمُ بِهَا،وَيُصَلِّي بِهِمْ جَمِيعَ الصَّلاَةِ،رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ،أَمْ ثَلاَثًا،أَمْ أَرْبَعًا،فَإِذَا سَلَّمَ بِهِمْ ذَهَبُوا إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتِ الْفِرْقَةُ الأُْخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلاَةَ مَرَّةً ثَانِيَةً،وَتَكُونُ لَهُ نَافِلَةً،وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ،وَهَذِهِ صَلاَتُهُ r بِبَطْنِ نَخْلٍ،وَتُنْدَبُ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ،وَكَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَالْعَدُوُّ قَلِيلٌ وَخِيفَ هُجُومُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ [51]وَلاَ يَقُول بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ مِنَ الأَْئِمَّةِ مَنْ لاَ يُجِيزُ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُنْتَفِل[52] .

الثَّالِثُ :أَنْ يُرَتِّبَهُمُ الإِْمَامُ صَفَّيْنِ،وَيُحْرِمَ بِالْجَمِيعِ فَيُصَلُّونَ مَعًا

يَقْرَأَ وَيَرْكَعَ،وَيَعْتَدِل بِهِمْ جَمِيعًا،ثُمَّ يَسْجُدَ بِأَحَدِهِمَا،وَتَحْرُسُ الأُْخْرَى حَتَّى يَقُومَ الإِْمَامُ مِنْ سُجُودِهِ،ثُمَّ يَسْجُدُ الآْخَرُونَ،وَيَلْحَقُونَهُ فِي قِيَامِهِ،وَيَفْعَل فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ،وَلَكِنْ يَحْرُسُ فِيهَا مَنْ سَجَدَ مَعَهُ أَوَّلاً،وَيَتَشَهَّدَ،وَيُسَلِّمَ بِهِمْ جَمِيعًا،وَهَذِهِ صَلاَتُهُ بِعُسْفَانَ .

وَيُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْبَابِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ :كَثْرَةُ الْمُسْلِمِينَ،وَكَوْنُ الْعَدُوِّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ غَيْرَ مُسْتَتِرٍ بِشَيْءٍ يَمْنَعُ رُؤْيَتَهُ .

وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَهُمْ صُفُوفًا،ثُمَّ يَحْرُسَ صَفَّانِ،فَإِنْ حَرَسَ بَعْضٌ كُل صَفٍّ بِالْمُنَاوَبَةِ جَازَ،وَكَذَا لَوْ حَرَسَتْ طَائِفَةٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ ؛ لِحُصُول الْغَرَضِ بِكُل ذَلِكَ،وَالْمُنَاوَبَةُ أَفْضَل ؛ لأَِنَّهَا الثَّابِتَةُ فِي الْخَبَرِ،وَلَوْ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الثَّانِي الَّذِي حَرَسَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِيَسْجُدُوا،وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الأَْوَّل الَّذِي سَجَدَ أَوَّلاً لِيَحْرُسَ وَلَمْ يَمْشُوا أَكْثَرَ مِنْ خُطْوَتَيْنِ كَانَ أَفْضَل ؛ لأَِنَّهُ الثَّابِتُ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ [53].

فعنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،قَالَ:«شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ r صَلَاةَ الْخَوْفِ،فَصَفَّنَا صَفَّيْنِ،صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ r،وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ،فَكَبَّرَ النَّبِيُّ r،وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا،ثُمَّ رَكَعَ،وَرَكَعْنَا جَمِيعًا،ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ،وَرَفَعْنَا جَمِيعًا،ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ،وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ،وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ،فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ r السُّجُودَ،وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ،انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ،وَقَامُوا،ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ،وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ،ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ r وَرَكَعْنَا جَمِيعًا،ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا،ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى،وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ،فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ r السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ،انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ،فَسَجَدُوا،ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ r وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا».قَالَ جَابِرٌ:كَمَا يَصْنَعُ حَرَسُكُمْ هَؤُلَاءِ بِأُمَرَائِهِمْ "[54]

وَهَذِهِ الأَْنْوَاعُ الثَّلاَثَةُ مُسْتَحَبَّةٌ لاَ وَاجِبَةٌ،فَلَوْ صَلَّوْا فُرَادَى أَوِ انْفَرَدَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الإِْمَامِ،أَوْ صَلَّى الإِْمَامُ بِبَعْضِهِمْ كُل الصَّلاَةِ،وَبِالْبَاقِينَ غَيْرَهُ جَازَ،وَلَكِنْ تَفُوتُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْمُنْفَرِدِ[55] .

الرَّابِعُ :صَلاَةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ :

 إِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ فَمَنَعَهُمْ مِنْ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَمْ يُمْكِنْ قَسْمُ الْجَمَاعَةِ ؛ لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ،وَرَجَوْا انْكِشَافَهُ قَبْل خُرُوجِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ،بِحَيْثُ يُدْرِكُونَ الصَّلاَةَ فِيهِ،أَخَّرُوا اسْتِحْبَابًا .

فَإِذَا بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الصَّلاَةَ صَلَّوْا إِيمَاءً،وَإِلاَّ صَلَّوْا فُرَادَى بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ،فَإِنْ قَدَرُوا عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَعَلُوا ذَلِكَ،أَوْ صَلَّوْا مُشَاةً أَوْ رُكْبَانًا،مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا،ثُمَّ لاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِمْ إِذَا أَمِنُوا،لاَ فِي الْوَقْتِ وَلاَ بَعْدَهُ.

وَالأَْصْل فِيمَا ذُكِرَ قَوْله تَعَالَى :{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)} [البقرة:238،239].

عَنِ ابْنِ عُمَرَ،أَنَّهُ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ،وَقَالَ:«فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ،أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا» قَالَ نَافِعٌ:إِنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَى ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ أَبُو بَكْرٍ:" رَوَى أَصْحَابُ مَالِكٍ هَذَا الْخَبَرَ عَنْهُ،فَقَالُوا:قَالَ نَافِعٌ:لَا أَرَى ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r "[56]

وعَنْ نَافِعٍ،أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلاَةِ الخَوْفِ قَالَ:«يَتَقَدَّمُ الإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ،فَيُصَلِّي بِهِمُ الإِمَامُ رَكْعَةً،وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ العَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا،فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً،اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا،وَلاَ يُسَلِّمُونَ،وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً،ثُمَّ يَنْصَرِفُ الإِمَامُ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ،فَيَقُومُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الإِمَامُ،فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ،فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ،صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا،مُسْتَقْبِلِي القِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا» قَالَ مَالِكٌ:قَالَ نَافِعٌ:لاَ أُرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r"[57]

وَإِنْ عَجَزُوا عَنِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْمَئُوا بِهِمَا،وَأَتَوْا بِالسُّجُودِ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ .

وَهَذَا الْقَدْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ[58].

وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْقِتَال فِي الصَّلاَةِ،فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْقِتَال فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الشَّدِيدَةِ فِي الصَّلاَةِ،وَيُعْفَى عَمَّا فِيهِ مِنَ الْحَرَكَاتِ،مِنَ الضَّرَبَاتِ وَالطَّعَنَاتِ الْمُتَوَالِيَاتِ،وَالإِْمْسَاكِ بِسِلاَحٍ مُلَطَّخٍ بِالدَّمِ ؛ لِلْحَاجَةِ ؛ وقَوْله تَعَالَى :{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ } [النساء:102] وَأَخْذُ السِّلاَحِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ لِلْقِتَال،وَقِيَاسًا عَلَى الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ اللَّذَيْنِ جَاءَا فِي الآْيَةِ[59].

وَقَال الْحَنَفِيَّةُ :يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الصَّلاَةِ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ :أَلاَّ يُقَاتِل،فَإِنْ قَاتَل فَسَدَتْ صَلاَتُهُ،وَقَالُوا :لأَِنَّ النَّبِيَّ r شُغِل عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهُنَّ فِي اللَّيْل،فعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ،قَالَ:قَالَ عَبْدُ اللهِ:إِنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا النَّبِيَّ r،عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِي الْخَنْدَقِ:«فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ،ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ،ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ،ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ،ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ»[60]

وعَنْ عَلِيٍّ،قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ r يَوْمَ الْأَحْزَابِ:«شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى،صَلَاةِ الْعَصْرِ،مَلَأَ اللهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا»،ثُمَّ صَلَّاهَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ،بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ"[61]

فَلَوْ جَازَ الْقِتَال فِي الصَّلاَةِ لَمَا أَخَّرَهَا ؛ وَلأَِنَّ إِدْخَال عَمَلٍ كَثِيرٍ - لَيْسَ مِنْ أَعْمَال الصَّلاَةِ - فِي الصَّلاَةِ مُفْسِدٌ فِي الأَْصْل،فَلاَ يُتْرَكُ هَذَا الأَْصْل إِلاَّ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ،وَهُوَ الْمَشْيُ لاَ الْقِتَال[62] .

صفات صلاة الخوف:[63]

صلاة الخوف أنواع،وقد صلاها النبي - r - في أوقات مختلفة،وصفات متباينة،يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة،وأبلغ في الحراسة،وهي في صورها المختلفة متفقة المعنى.

1 - إذا كان العدو في جهة القبلة فيصلون كما يلي:

يكبر الإمام،ويصف المسلمون خلفه صفين،ويركع ويرفع بهم جميعاً،ثم يسجد مع الإمام الصف الذي يلي الإمام،فإذا قاموا سجد الصف الثاني ثم قاموا.

ثم يتأخر الصف الأول،ويتقدم الصف الثاني،ثم يصلي بهم الركعة الثانية كالأولى،ثم يسلم بهم جميعاً.

  عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ،أَنَّ رَسُولَ اللهِ r «صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ،فَصَفَّهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ،فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً،ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُمْ رَكْعَةً،ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ،فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً،ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً،ثُمَّ سَلَّمَ»[64]

2 - إذا كان العدو في غير جهة القبلة فيصلون بإحدى الصفات التالية:

الصفة الأولى:يكبر الإمام،وتصف معه طائفة،وتقف الطائفة الأخرى تجاه العدو،فيصلي بالتي معه ركعة،ثم يثبت قائماً،ويتمون لأنفسهم،ثم ينصرفون ويقفون تجاه العدو.

ثم تأتي الطائفة الأخرى،فيصلي بهم الإمام الركعة الباقية ثم يجلس،ويتمون لأنفسهم وهو جالس،ثم يسلم بهم.

وعليهم حمل سلاح خفيف أثناء صلاتهم،مع الحذر من عدوهم.

1 - قال الله تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102)} [النساء:102].

2 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:«صَلَّى رَسُولُ اللهِ r صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً،وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ،ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ،وَجَاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمِ النَّبِيُّ r رَكْعَةً،ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ r،ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً،وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً».[65].

الصفة الثانية:أن يصلي الإمام بإحدى الطائفتين أول الصلاة،وبالأخرى آخر الصلاة،فيصلي بالأولى ركعتين ثم يثبت قائماً،ويتمون لأنفسهم ويسلمون وينصرفون،ثم تأتي الطائفة الأخرى فيصلي بهم الركعتين الأخيرتين،ثم يسلم بهم،فتكون له أربعاً ولكل طائفة ركعتان.

الصفة الثالثة:أن يصلي الإمام بالطائفة الأولى صلاة كاملة ركعتين ثم يسلم بهم،ثم يصلي بالأخرى كذلك ثم يسلم.

وإذا كانت صلاة المغرب فلا يدخلها القصر،وللإمام أن يصلي بالطائفة الأولى ركعتين،وبالطائفة الثانية ركعة أو العكس.

الصفة الرابعة:أن تصلي كل طائفة ركعة واحدة فقط مع الإمام ثم تسلم الأولى وتنصرف،وتأتي الثانية فيصلي بهم الإمام الركعة الباقية ثم يسلم بهم،فيصلي الإمام ركعتين،وتصلي كل طائفة ركعة من غير قضاء.

وكل هذه الصفات ثابتة في السنة،فتُفعل هذه مرة،وهذه مرة؛ إحياءً للسنة.

3 – حال اشتداد الخوف وتواصل القتال :

 إذا اشتد الخوف وتواصل الطعن والضرب والرمي،فهنا إذا دخل وقت الصلاة يصلون رجالاً وركباناً ركعة واحدة،يومئون فرادى بالركوع والسجود،للقبلة وغيرها،فإن لم يتمكنوا أخروا الصلاة حتى يقضي الله بينهم وبين عدوهم ثم صلوا جماعة.

قال الله تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)} [البقرة:238 - 239].

قال السعدي :" {رِجَالا} ماشين على أرجلكم.{أَوْ رُكْبَانًا} على الخيل والإبل،وسائر المركوبات،وفي هذه الحال،لا يلزمه الاستقبال،فهذه صفة صلاة المعذور بالخوف،فإذا حصل الأمن،صلى صلاة كاملة.[66]

وقال الحافظ في الفتح :" قَوله :"وإِن كانُوا أَكثَرَ مِن ذَلِكَ" ؛ أَي إِن كانَ العَدُوّ،والمَعنَى أَنَّ الخَوفَ إِذا اشتَدَّ والعَدوّ إِذا كَثُرَ فَخِيفَ مِن الانقِسامِ لِذَلِكَ جازَت الصَّلاةُ حِينَئِذٍ بِحَسَبَ الإِمكان،وجازَ تَركُ مُراعاة ما لا يُقدَرُ عَلَيهِ مِن الأَركانِ،فَيَنتَقِلُ عَن القِيامِ إِلَى الرُّكُوعِ.

وعَن الرُّكُوعِ والسُّجُودِ إِلَى الإِيماءِ إِلَى غَيرِ ذَلِكَ،وبِهَذا قالَ الجُمهُور ولَكِن قالَ المالِكِيَّةَ :لا يَصنَعُونَ ذَلِكَ حَتَّى يُخشَى فَوات الوقتِ.

عَنِ ابْنِ عُمَرَ،قَالَ:«إِذَا اخْتَلَطُوا يَعْنِي فِي الْقِتَالِ فَإِنَّمَا هُوَ الذِّكْرُ،وَأَشَارَ بِالرَّأْسِ» قَالَ ابْنُ عُمَرَ:قَالَ النَّبِيُّ r:«وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيُصَلُّونَ قِيَامًا وَرُكْبَانًا»[67]

والحاصِلُ أَنَّهُ اُختُلِفَ فِي قَولِهِ :"فَإِن كانَ خَوف أَشَدّ مِن ذَلِكَ " هَل هُو مَرفُوعٌ أَو مَوقُوفٌ عَلَى ابن عُمَر،والرّاجِح رَفعه،والله أَعلَمُ."[68]

وقال الباجي :"وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ خَوْفًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي خَوْفًا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الْمُقَامُ فِي مَوْضِعٍ وَلَا إقَامَةَ صَفٍّ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَوْفَ عَلَى ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ يُمْكِنُ فِيهِ الِاسْتِقْرَارُ وَإِقَامَةُ الصَّفِّ لَكِنْ يَخَافُ مِنْ ظُهُورِ الْعَدُوِّ بِالِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ فَهَاهُنَا لَا يَخْلُو مِنْ حَالَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَرْجُوَ أَنْ يَأْمَنَ فِي الْوَقْتِ فَهَذَا يَنْتَظِرُ أَنْ يَأْمَنَ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْوَقْتُ.

وَالثَّانِيَةُ:أَنْ لَا يَرْجُوَ ذَلِكَ فَهَذَا يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى حَسْبِ مَا قَدَّمْنَاهُ.

وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الْخَوْفِ.

فَهَذَا أَنْ لَا يُمْكِنَ مَعَهُ اسْتِقْرَارٌ وَلَا إقَامَةُ صَفٍّ مِثْلُ الْمُنْهَزِمِ الْمَطْلُوبِ فَهَذَا يُصَلِّي كَيْفَ أَمْكَنَهُ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة:239] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَمَّا تَأَكَّدَ أَمْرُهَا وَلَمْ يَجُزْ الْإِخْلَالُ بِهَا وَلَا تَرْكُهَا بِوَجْهٍ وَجَبَ أَنْ يَفْعَلَ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَلَى حَسْبِ مَا أَمْكَنَ مِنْ فِعْلِهَا لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا عَلَى وَجْهِهَا يُؤَدِّي إلَى تَرْكِهَا عِنْدَ تَعَذُّرِ ذَلِكَ فِيهَا.

وَقَوْلُهُ رِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ يُرِيدُ أَنَّ رُكُوعَهُمْ وَسُجُودَهُمْ إيمَاءٌ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ حَالَ الْقِيَامِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ وَكُلُّ مَنْ مَنَعَهُ عَدُوٌّ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّ حُكْمَهُ الْإِيمَاءُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَرُكْبَانًا فَيُرِيدُ عَلَى رَوَاحِلِهِمْ لِأَنَّ فَرْضَ النُّزُولِ إلَى الْأَرْضِ يَسْقُطُ بِالْخَوْفِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ لُصُوصٍ أَوْ سِبَاعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ وَكَانَ أَحَبُّ إلَيْهِ إنْ أَمِنَ فِي الْوَقْتِ أَنْ يُعِيدَ وَلَمْ يَرَهُ كَالْعَدُوِّ.."[69]

وقال ابن عثيمين :"ولكن إذا قال قائل:لو فرض أن الصفات الواردة عن النبي r لا يمكن تطبيقها في الوقت الحاضر؛ لأن الوسائل الحربية والأسلحة اختلفت؟

فنقول:إذا دعت الضرورة إلى الصلاة في وقت يخاف فيه من العدو،فإنهم يصلّون صلاة أقرب ما تكون إلى الصفات الواردة عن النبي r إذا كانت الصفات الواردة عن النبي r لا تتأتى،لقول الله تعالى:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ."[70]

صَلاَةُ الْجُمُعَةِ فِي الْخَوْفِ :

إِذَا حَصَل الْخَوْفُ فِي بَلَدٍ وَحَضَرَتْ صَلاَةُ الْجُمُعَةِ فَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا عَلَى هَيْئَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ،وَعُسْفَانَ،وَيُشْتَرَطُ فِي الصَّلاَةِ عَلَى هَيْئَةِ صَلاَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ :

( 1 ) أَنْ يَخْطُبَ بِجَمِيعِهِمْ،ثُمَّ يُفَرِّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ،أَوْ يَخْطُبَ بِفِرْقَةٍ،وَيَجْعَل مِنْهَا مَعَ كُلٍّ مِنَ الْفِرْقَتَيْنِ أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا،فَلَوْ خَطَبَ بِفِرْقَةٍ وَصَلَّى بِأُخْرَى لَمْ تَصِحَّ .

( 2 ) أَنْ تَكُونَ الْفِرْقَةُ الأُْولَى أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا،فَلَوْ نَقَصَتْ عَنْ أَرْبَعِينَ لَمْ تَنْعَقِدِ الْجُمُعَةُ،وَإِنْ نَقَصَتِ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ لَمْ يَضُرَّ لِلْحَاجَةِ،وَالْمُسَامَحَةِ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ .

وَلَوْ خَطَبَ بِهِمْ وَصَلَّى بِهِمْ عَلَى هَيْئَةِ صَلاَةِ الْخَوْفِ بِعُسْفَانَ فَهِيَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ،وَلاَ تَجُوزُ عَلَى هَيْئَةِ صَلاَةِ بَطْنِ نَخْلٍ ؛ إِذْ لاَ تُقَامُ جُمُعَةٌ بَعْدَ جُمُعَةٍ [71] .

السَّهْوُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ :

يَتَحَمَّل الإِْمَامُ سَهْوَ الْمَأْمُومِينَ إِذَا صَلَّى بِهِمْ صَلاَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي ذَهَبَ إِلَيْهَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ،إِلاَّ سَهْوَ الطَّائِفَةِ الأُْولَى فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَلاَ يَتَحَمَّلُهُ ؛ لاِنْقِطَاعِ قُدْوَتِهَا بِالْمُفَارَقَةِ،وَسَهْوُ الإِْمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى يَلْحَقُ الْكُل،فَيَسْجُدُونَ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ صَلاَتِهِمْ،وَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ الإِْمَامُ .

وَسَهْوُهُ فِي الثَّانِيَةِ لاَ يَلْحَقُ الأَْوَّلِينَ لِمُفَارَقَتِهِمْ قَبْل السَّهْوِ،وَيَلْحَقُ الآْخَرِينَ [72].

حَمْل السِّلاَحِ فِي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ :

حَمْل السِّلاَحِ فِي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ مُسْتَحَبٌّ،يُكْرَهُ تَرْكُهُ لِمَنْ لاَ عُذْرَ لَهُ مِنْ مَرَضٍ،أَوْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ احْتِيَاطًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى :{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء:102]

وَحَمَلُوا الأَْمْرَ فِي قَوْله تَعَالَى :{ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ } عَلَى النَّدْبِ،لأَِنَّ تَرْكَهُ لاَ يُفْسِدُ الصَّلاَةَ،فَلاَ يَجِبُ حَمْلُهُ،كَسَائِرِ مَا لاَ يُفْسِدُ تَرْكُهُ،وَقِيَاسًا عَلَى الأَْمْنِ ؛ وَلأَِنَّ الْغَالِبَ السَّلاَمَةُ،أَمَّا إِذَا كَانَ الْمُصَلِّي يَتَعَرَّضُ لِلْهَلاَكِ بِتَرْكِ السِّلاَحِ وَجَبَ حَمْلُهُ،أَوْ وَضْعُهُ بَيْنَ يَدِهِ بِحَيْثُ يَسْهُل تَنَاوُلُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ [73] .

 وفي الموسوعة الفقهية أيضا:[74]

"ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى اسْتِحْبَابِ حَمْل السِّلاَحِ لِلْخَائِفِ فِي الصَّلاَةِ يَدْفَعُ بِهِ الْعَدُوَّ عَنْ نَفْسِهِ،لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى :{ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ } ؛ وَلأَِنَّهُمْ لاَ يَأْمَنُونَ أَنْ يَفْجَأَهُمْ عَدُوُّهُمْ،فَيَمِيلُوا عَلَيْهِمْ.كَمَا قَال اللَّهُ تَعَالَى :{وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً } [النساء:102].

 وَالْمُسْتَحَبُّ مِنْ ذَلِكَ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ،وَلاَ يَثْقُلُهُ كَالْجَوْشَنِ ( الدِّرْعِ )،وَلاَ يَمْنَعُ مِنْ كَمَال السُّجُودِ كَالْمِغْفَرِ[75].وَلاَ يُؤْذِي غَيْرَهُ كَالرُّمْحِ الْمُتَوَسِّطِ وَالْكَبِيرِ،وَلاَ يَجُوزُ حَمْل نَجَسٍ،وَلاَ مَا يُخِل بِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ [76].

وَلَيْسَ النَّصُّ لِلإِْيجَابِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ؛ لأَِنَّ الأَْمْرَ بِهِ لِلرِّفْقِ بِهِمْ وَالصِّيَانَةِ لَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ لِلإِْيجَابِ (3) .

وَقَال بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ :إِنَّ حَمْل السِّلاَحِ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ وَاجِبٌ ؛ لأَِنَّ ظَاهِرَ الأَْمْرِ الْوُجُوبُ،وَقَدِ اقْتَرَنَ بِالنَّصِّ مَا يَدُل عَلَى إِرَادَةِ الإِْيجَابِ بِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا } [النساء:102] وَنَفْيُ الْحَرَجِ مَشْرُوطًا بِالأَْذَى دَلِيلٌ عَلَى لُزُومِهِ عِنْدَ عَدَمِهِ.فَأَمَّا إِنْ كَانَ بِهِمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ مَرَضٍ فَلاَ يَجِبُ بِغَيْرِ خِلاَفٍ،بِتَصْرِيحِ النَّصِّ بِنَفْيِ الْحَرَجِ فِيهِ[77].

 الاِسْتِخْلاَفُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ[78] :

الْمَالِكِيَّةُ،وَالشَّافِعِيَّةُ هُمُ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا عَنِ الاِسْتِخْلاَفِ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ فِي السَّفَرِ،وَلَمْ نَقِفْ لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى نَصٍّ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ[79].

فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ :إِذَا صَلَّى الإِْمَامُ رَكْعَةً مِنْ صَلاَةِ الْخَوْفِ،ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْل قِيَامِهِ إِلَى الثَّانِيَةِ،فَلْيُقَدِّمْ مَنْ يَؤُمَّهُمْ،ثُمَّ يَثْبُتُ الْمُسْتَخْلَفُ،وَيُتِمُّ مَنْ خَلْفَهُ صَلاَتَهُمْ،وَهُوَ قَائِمٌ سَاكِتًا أَوْ دَاعِيًا،ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الأُْخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَيُسَلِّمُ،ثُمَّ تُتِمُّ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ .

وَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ قِيَامِهِ إِلَى الثَّانِيَةِ فَلاَ يَسْتَخْلِفُ ؛ لأَِنَّ مَنْ خَلْفَهُ خَرَجُوا مِنْ إِمَامَتِهِ بِالاِقْتِدَاءِ بِهِ فِي رَكْعَةٍ،حَتَّى لَوْ تَعَمَّدَ حِينَئِذٍ الْحَدَثَ أَوِ الْكَلاَمَ لَمْ تَفْسُدْ عَلَيْهِمْ .

فَإِذَا أَتَمَّ هَؤُلاَءِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَذَهَبُوا أَتَتْ الطَّائِفَةُ الأُْخْرَى بِإِمَامٍ فَقَدَّمُوهُ [80] .

وَقَال الإِْمَامُ الشَّافِعِيُّ :إِذَا أَحْدَثَ الإِْمَامُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ فَهُوَ كَحَدَثِهِ فِي غَيْرِهَا،وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَلاَّ يَسْتَخْلِفَ أَحَدًا.فَإِنْ كَانَ أَحْدَثَ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى أَوْ بَعْدَمَا صَلاَّهَا،وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَقَرَأَ وَلَمْ تَدْخُل مَعَهُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ،قَضَتِ الطَّائِفَةُ الأُْولَى مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّلاَةِ،وَأَمَّ الطَّائِفَةَ الأُْخْرَى إِمَامٌ مِنْهُمْ،أَوْ صَلَّوْا فُرَادَى،وَلَوْ قَدَّمَ رَجُلاً فَصَلَّى بِهِمْ أَجْزَأَ عَنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.وَإِذَا أَحْدَث الإِْمَامُ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَةً وَهُوَ قَائِمٌ يَقْرَأُ - يَنْتَظِرُ فَرَاغَ الَّتِي خَلْفَهُ - وَقَفَ الَّذِي قُدِّمَ كَمَا يَقِفُ الإِْمَامُ،وَقَرَأَ فِي وُقُوفِهِ،فَإِذَا فَرَغَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِي خَلْفَهُ.وَدَخَلَتِ الطَّائِفَةُ الَّتِي وَرَاءَهُ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَدْرِ سُورَةٍ،ثُمَّ رَكَعَ بِهِمْ،وَكَانَ فِي صَلاَتِهِ لَهُمْ كَالإِْمَامِ الأَْوَّل لاَ يُخَالِفُهُ فِي شَيْءٍ إِذَا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الأُْولَى مَعَ الإِْمَامِ الأَْوَّل،وَانْتَظَرَهُمْ حَتَّى يَتَشَهَّدُوا ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ .[81]

الْخَطَأُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ [82]:

رَأَى الْمُسْلِمُونَ فِي حَالَةِ الْخَوْفِ سَوَادًا فَظَنُّوهُ خَطَأً عَدُوًّا وَصَلَّوْا صَلاَةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ،ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَدُوًّا،أَوْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ حَائِلٌ لاَ يُمْكِنُهُ الْوُصُول إِلَيْهِمُ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ :

الأَْوَّل :تَلْزَمُهُمْ إِعَادَةُ الصَّلاَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ [83]وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ[84]  لأَِنَّهُ لَمْ يُوجَدِ الْمُبِيحُ فَأَشْبَهَ مَنْ ظَنَّ الطَّهَارَةَ ثُمَّ عَلِمَ بِحَدَثِهِ،سَوَاءٌ اسْتَنَدَ الظَّنُّ لِخَبَرِ ثِقَةٍ أَوْ غَيْرِهِ [85]،وَلأَِنَّهُمْ تَيَقَّنُوا الْغَلَطَ فِي الْقِبْلَةِ [86] .

الثَّانِي :لاَ يُعِيدُونَ وَتُجْزِئُهُمْ صَلاَتُهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ[87].وَالْقَوْل الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لِوُجُودِ الْخَوْفِ حَال الصَّلاَةِ [88] .

الْمُفَارَقَةُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ :[89]

مِنْ صُوَرِ صَلاَةِ الْخَوْفِ أَنَّ الإِْمَامَ يُفَرِّقُ الْجَيْشَ فِرْقَتَيْنِ :فِرْقَةٌ تُجْعَل فِي مُوَاجَهَةِ الْعَدُوِّ،وَيُصَلِّي الإِْمَامُ بِالْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْجَيْشِ،فَإِذَا قَامَ الإِْمَامُ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فِي الثُّنَائِيَّةِ وَإِلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ فِي الثُّلاَثِيَّةِ أَوِ الرُّبَاعِيَّةِ فَارَقَهُ الْمَأْمُومُونَ وَلاَ يُتَابِعُونَهُ بَل يُتِمُّونَ الصَّلاَةَ لأَِنْفُسِهِمْ ثُمَّ يَذْهَبُونَ إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ،وَتَأْتِي الْفِرْقَةُ الْحَارِسَةُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الإِْمَامُ مَا بَقِيَ مِنْ صَلاَتِهِ،فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا وَأَتَمُّوا صَلاَتَهُمْ وَالإِْمَامُ يَنْتَظِرُهُمْ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ ...[90]

 

___________

 


 المبحث الثالث

الهَيْئَةُ المناسِبَةُ منْ صَلاةِ الخَوفِ للقِتالِ في زَمانِنا

 

وَرَدَ في صلاةِ الخوْفِ هَيئاتٌ مَخْتَلِفَةٍ فأيُّ هَيْآتِها أفْضل؟؛ خاصَّةً وأنَّ أساليبَ القِتالِ قدْ تَغَيَّرَتْ في زَمانِنا؛ بَحَيْثُ يَكُونُ فِي الاجْتِماعِ للصلاةِ خَطَرٌ على المُصلين؟.

الجَواب:الحَمْدُ للهِ؛ وبَعْد:

فإنَّ صلاةَ الخَوْفِ قَدْ ثَبَتَتْ عَنِ النبيِّ r بِهْئئاتٍ عِدَّةٍ؛ وكُلُّ ما ثَبَتَ عَنْهُ فالصلاةُ بهِ سُنَّةُ مَشرُوعَةٌ،ولَوْ قِيلَ بالتَفْضيلِ لكانَ الوارِدُ في كِتابِ اللهِ أَوْلَى؛ بلْ صرَّحَ الفَخْرُ الرازِيُّ بأنَّ مَرَدَّ الاخْتِلافِ هُوَ الأشدُّ مُوافَقَةً لظاهِرِ الآية،وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ اخْتَلافُ هَيْآتِها لأنَّ النبِيَّ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ صلاها في أوْقاتٍ مُخْتَلِفَةٍ بِحَسْبِ المَصْلَحَة.

وأحْسَنُ ما يُقالُ في اخْتِلافِ الهَيْئاتِ أنَّ الأفْضَلَ مِنْها ما كانَ أنْسَبَ لِحالِ القِتال،فَيَتَخَيَّرُ أمِيرُ الجُنْدِ أو قائِدُ السرِيَّةَ ما يَراهُ أَوْفَقَ لِلْحالِ؛ وإنما جَعَلْنا التخْييرَ للأميرِ لأَنَهُ أدْرَى بِعَدُوِّهِ؛ وأَعْلَمُ بِما يَحْتاجُ إليْهِ مِنَ الحَيْطَةِ والحَذر.

قالَ المخْتارُ الشنْقِيطيُّ في الأضْواء:" الَّذِي يَظْهَرُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ،إِنَّ أَفْضَلَ الْكَيْفِيَّاتِ الثَّابِتَةِ عَنْهُ - r - فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ،مَا كَانَ أَبْلَغُ فِي الِاحْتِيَاطِ لِلصَّلَاةِ وَالتَّحَفُّظِ مِنَ الْعَدُوِّ.

 وقال :"لَا تَخْتَصُّ صَلَاةُ الْخَوْفِ بِالنَّبِيِّ - r - بَلْ مَشْرُوعِيَّتُهَا بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى خُصُوصِهَا بِهِ - r - بِقَوْلِهِ تَعَالَى:وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ الْآيَةَ [4 \ 102]،اسْتِدْلَالٌ سَاقِطٌ،وَقَدْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ وَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَدِّ مِثْلِهِ فِي قَوْلِهِ:خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ الْآيَةَ [9 \ 103]،وَاشْتِرَاطُ كَوْنِهِ - r - فِيهِمْ،إِنَّمَا وَرَدَ لِبَيَانِ الْحُكْمِ لَا لِوُجُودِهِ،وَالتَّقْدِيرُ:بَيِّنْ لَهُمْ بِفِعْلِكَ لِكَوْنِهِ أَوْضَحَ مِنَ الْقَوْلِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ،وَشَذَّ عَنِ الْجُمْهُورِ أَبُو يُوسُفَ وَالْمُزَنِيُّ وَقَالَ بِقَوْلِهِمَا الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَالُلُؤْلُؤِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عُلَيَّةَ فَقَالُوا:إِنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ لَمْ تُشْرَعْ بَعْدَهُ - r - وَاحْتَجُّوا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ:وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ،وَرُدَّ عَلَيْهِمْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهَا بَعْدَهُ - r - وَبِقَوْلِهِ - r -:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»،وَعُمُومُ مَنْطُوقِ هَذَا الْحَدِيثِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَفْهُومِ."[91].

بَلْ لَوْ كانَ المُجاهِدُونَ في سَعَةٍ فليُصَلُّوا بِهذهِ الهَيْئَةِ مَرَّةً وبِتِلْكَ أُخْرى؛ لِما في ذلكَ مِنْ تَعْلِيمِها للمُجاهدِينَ؛ ولِما فِيهِ مِنَ العَمَلِ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ r كُلِّها،وحِمايَتِها مِنَ الترْكِ وَالهُجْرانِ،والوِقايَةِ من انْقِلابِ السنَّةِ عادَةً بالمُداوَمَةِ عَلَى صِفَةٍ واحِدَةٍ؛ ولِما يَكُونُ مَعَ التنَقُّلِ بَيْنَ الهَيْئاتِ مِن اسْتِحضارِ النِيَّةِ،وهذا هوَ الصوابِ في كُلِّ ما وَرَدَ في السنَّةِ عَلى هذه الشاكِلَةِ،كأدْعِيَةِ الاسْتِفْتاحِ وصِيَغِ التشهُّدِ والأذكارِ عَقِيبَ الصلَواتِ؛ ونَحْوِ ذلك.

قالَ ابنُ كثيرٍ رحمه الله:صَلَاةُ الْخَوْفِ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ،فَإِنَّ الْعَدُوَّ تَارَةً يَكُونُ تُجَاهَ الْقِبْلَةِ،وَتَارَةً يَكُونُ فِي غَيْرِ صَوْبها،وَالصَّلَاةُ تَارَةً تَكُونُ رُبَاعِيَّةً،وَتَارَةً ثُلَاثِيَّةً كَالْمَغْرِبِ،وَتَارَةً ثُنَائِيَّةً،كَالصُّبْحِ وَصَلَاةِ السَّفَرِ،ثُمَّ تَارَةً يُصَلُّونَ جَمَاعَةً،وَتَارَةً يَلْتَحِمُ الْحَرْبُ فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْجَمَاعَةِ،بَلْ يُصَلُّونَ فُرَادَى مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرِ مُسْتَقْبِلِيهَا،وَرِجَالًا وَرَكِبَانَا،وَلَهُمْ أَنْ يَمْشُوا وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَيَضْرِبُوا الضَّرْبَ الْمُتَتَابِعَ فِي مَتْنِ الصَّلَاةِ.

وَمِنِ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ:يُصَلُّونَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ رَكْعَةً وَاحِدَةً؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ،وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي الْحَوَاشِي:وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ،وَجَابِرٌ،وَالْحَسَنُ،وَمُجَاهِدٌ،وَالْحَكَمُ،وَقَتَادَةُ،وَحَمَّادٌ.وَإِلَيْهِ ذَهَبَ طَاوُسٌ وَالضَّحَّاكُ.

وَقَدْ حَكَى أَبُو عَاصِمٍ العَبَّادي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ؛ أَنَّهُ يَرَى رَدَّ الصُّبْحِ إِلَى رَكْعَةٍ فِي الْخَوْفِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابن حزم أيضًا.

وقال إسحاق بن رَاهْوَيْهِ:أَمَّا عِنْدَ الْمُسَايَفَةِ فَيَجْزِيكَ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ،تُومِئُ بِهَا إِيمَاءً،فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ فَسَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا ذِكْرُ اللَّهِ.

وَقَالَ آخَرُونَ:تَكْفِي تَكْبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ.فَلَعَلَّهُ أَرَادَ رَكْعَةً وَاحِدَةً،كَمَا قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابُهُ،وَلَكِنِ الَّذِينَ حَكَوْهُ إِنَّمَا حَكَوْهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي الِاجْتِزَاءِ بتكبيرة واحدة،كما هو مذهب إسحاق بن رَاهْوَيْهِ،وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَمِيرُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ بُخْت الْمَكِّيُّ،حَتَّى قَالَ:فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّكْبِيرَةِ فَلَا يَتْرُكْهَا فِي نَفْسِهِ،يَعْنِي بِالنِّيَّةِ،رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاش،عَنْ شُعَيْبِ بْنِ دِينَارٍ،عَنْهُ،فَاللَّهُ أَعْلَمُ."[92]

وفي اللبابِ لابنِ عادل:قال أحْمد بن حَنْبَل:كُلُّ حَدِيثٍ رُوِيَ في أبًواب صَلاةِ الخَوْفِ،فالعَمَل به جَائِزٌ.[93]

وقَدْ ذكَرَ ابْنُ حَزْمٍ رَحِمَهُ الله أنَّ صلاةَ الخَوْفِ ورَدَتْ عَلَى أرْبعَ عَشْرَةَ صِفَةً،وذكَرَ ابنُ عَجيبَةَ في التفسيرِ أنها عشرةُ أقوالٍ على حسبِ الأحاديثِ النبَوِيَّة،وَقالَ ابنُ القصّارِ المالكي :إن النَّبي صلى الله عليه وسلم صَلاّها فِي عَشَرَةَ مواضِعَ؛ كذا في أضواءِ البيان،وفيهِ أيضاً:وقالَ ابنُ العَرَبِي المالِكِيُّ :رُوِيَ عن النَّبي r أنه صلّى صلاةَ الخوْفِ أربعاً وعشرينَ مرَّةً،وقالَ ابنُ القيمِ إنها تَرْجِعُ إلى سِتِّ صِفاتٍ أو سَبْع.

ونَحْنُ نَذكُرُ ما فِي كِتابِ اللهِ تعالَى أوّلاً؛ ثُمَّ نَكْتَفِي بِذِكْرِ صِفَتَينِ هنا مِمّا ثَبَتَ في السنَّةِ تَسْهِيلاً عَلَى الناظِرِ لِتُحْفَظ،وعَلَى أمَراءِ السرايا أنْ يُعَلِّموها لِعامَّةِ المُجاهِدينَ عَمَلِيّاً؛ لأنّهُ أيسَرُ لعامَّتِهِمْ عَنْ أَبِي حَازِمٍ،أَنَّ نَفَرًا جَاءُوا إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ،قَدْ تَمَارَوْا فِي الْمِنْبَرِ مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ؟ فَقَالَ:أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مِنْ أَيِّ عُودٍ هُوَ،وَمَنْ عَمِلَهُ،وَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ r أَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ،قَالَ فَقُلْتُ لَهُ:يَا أَبَا عَبَّاسٍ،فَحَدِّثْنَا،قَالَ:أَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ r إِلَى امْرَأَةٍ - قَالَ أَبُو حَازِمٍ:إِنَّهُ لَيُسَمِّيَهَا يَوْمَئِذٍ - «انْظُرِي غُلَامَكِ النَّجَّارَ،يَعْمَلْ لِي أَعْوَادًا أُكَلِّمُ النَّاسَ عَلَيْهَا» فَعَمِلَ هَذِهِ الثَّلَاثَ دَرَجَاتٍ،ثُمَّ أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللهِ r،فَوُضِعَتْ هَذَا الْمَوْضِعَ،فَهِيَ مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ.وَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ r قَامَ عَلَيْهِ فَكَبَّرَ وَكَبَّرَ النَّاسُ وَرَاءَهُ،وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ،ثُمَّ رَفَعَ فَنَزَلَ الْقَهْقَرَى حَتَّى سَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ،ثُمَّ عَادَ،حَتَّى فَرَغَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ،ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي،وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي»[94]

وعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ:" صَلَّى بِنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بأَصْبَهَانَ صَلَاةَ الْخَوْفِ ". وَرَوَى حَطَّانُ الرَّقَاشِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ،وَيُذْكَرُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ صَلَاةَ الْخَوْفِ لَيْلَةَ الْهَرِيرِ،وَرُوِّينَا عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ عَلَّمَهُمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ،وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَصَفَهَا،وَالَّذِينَ رَوَوْهَا عَنِ النَّبِيِّ r لَمْ يَحْمِلْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى تَخْصِيصِ النَّبِيِّ r بِهَا،أَوْ عَلَى أَنَّهَا تُرِكَتْ،بَلْ رَوَاهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَهُوَ يَعْتَقِدُ جَوَازَهَا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَوَاهَا،وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ"[95].

فما في التنْزِيلِ في قَوْلِهِ تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء:102].

والطائِفَةُ المأمُورَةُ بأخْذِ السلاحِ قِيل:هِي التي تُصَلِّي؛ وقيل:وهوَ عنِ ابنِ عباس:التي كانَتْ بإزاءِ العَدُوّ،والصوابُ أَنَّهُ يَتَناوَلُ الطائِفَتَيْنِ جَمِيعاً،ومَنْ مارَسَ الحَرْبَ وعَلِمَ ما يَقَعُ فِيها مِنَ المُباغَتَةِ وسُرْعَةِ الكَرِّ والفَرِّ؛ وأَنَّ اللحَظاتِ فِيها فارِقٌ بَيْنَ السلامَةِ والإصابَة؛ وما يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ القائدُ مِنْ حَذَرٍ أشَدَّ مِنْ حذَرِ الغُراب تَبَيَّنَ لِهُ صِحَةُ ما اخْتَرْناهُ،وأنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ تعالى:{وَخُذُوا حِذْرَكُمْ يُؤَيِّدُه،قال الزجاج:يجوز أن يريد به الذين وجاه العدو،لأن المصلي غير مقاتل،ويجوز أن يكون الجماعة أمروا بحمل السلاح،لأنه أرهب للعدو،وأحرى أن لا يقدموا عليهم.[96].

قال القاضي أبو محمد:ولفظ الآية يتناول الكل،ولكن سلاح المصلين ما خف،واختلفت الآثار في هيئة صلاة النبي صلي الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف،وبحسب ذلك اختلف الفقهاء[97]

ولفظ الآية يتناوَلُ الكلَّ،ولكن سِلاَحُ المصلِّين ما خَفَّ،قُلْتُ:ومن المعلوم أنه إذا كانَتِ الطائفةُ المصلِّيةُ هي المأمورَةَ بِأخْذِ السِّلاحِ،فالحارسَةُ من باب أحرى.واختلفت الآثار في هيئة صلاة النبيّ صلي الله عليه وسلم بأصحابه صلاةَ الخَوْف وبِحَسَبِ ذلك،اختلف الفقَهَاء[98].

بلْ مِنَ العُلَماءِ من قال:إنَّ الأَمْرَ بِحَمْلِ السلاحِ في صلاةِ الخَوْفِ عَلى الوُجُوبِ لِظاهِرِ الآية،وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشافِعِيِّ.[99]

وذكَرَ أبو حيان في البَحْرِ أنَّ السلاح:معروف وما هو مَا يَتَحَصَّنُ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ سَيْفٍ وَرُمْحٍ وَخِنْجَرٍ وَدَبُّوسٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ "[100]

 وعَلَى هذا فَكُلُّ أنْواعِ السلاحِ الحادِثَةِ مِمَّا يَحْتاجُ إلَيْها المُقاتِلُ فَلَهُ حَمْلُها فِي الصلاةِ أوْ إمْساكُها أو وَضْعُها بَينَ يَديْهِ أوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ عَلَى أَيِّ وجْهٍ يَحْصُلُ بهِ المقْصُودُ مَنَ الحَيْطَةِ والحَذَرِ،مالَمْ يَشْغَلْهُ حَمْلُهُ عَنِ الصلاةِ؛ أو يكُونُ بِحَيْثُ يُؤْذِي بهِ مَنْ قامَ إلى جَنْبَهِ مِنَ المُصلِّين.

وأما الأحاديثُ؛ فمنها ما رواهُ البخاريُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ،قَالَ:سَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم؟ - يَعْنِي صَلاَةَ الخَوْفِ - قَالَ:أَخْبَرَنِي سَالِمٌ،أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،قَالَ:غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  قِبَلَ نَجْدٍ،فَوَازَيْنَا العَدُوَّ،فَصَافَفْنَا لَهُمْ،«فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يُصَلِّي لَنَا،فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ تُصَلِّي وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى العَدُوِّ،وَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ،ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ،فَجَاءُوا،فَرَكَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ،ثُمَّ سَلَّمَ،فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ،فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ» .

 ومِنْها ما في  عَنْ جَابِرٍ،قَالَ:أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ،قَالَ:كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم،قَالَ:فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ رَسُولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ،فَأَخَذَ سَيْفَ نَبِيِّ اللهِ صلي الله عليه وسلم فَاخْتَرَطَهُ،فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم:أَتَخَافُنِي؟ قَالَ:«لَا»،قَالَ:فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ:«اللهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ»،قَالَ:فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم فَأَغْمَدَ السَّيْفَ،وَعَلَّقَهُ،قَالَ:فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ،فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ،ثُمَّ تَأَخَّرُوا،وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ،قَالَ:فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ،وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ .

فإنْ كانَ في الاجِتْماعِ للصَلَواتِ خَطَرٌ لاخِتِلافِ أحْوالِ القِتالِ في زَمانِنا؛ ورُبما أصابَ العَدُوُّ المُصلينَ بِرِمايَتِهِم فلا حَرَجَ عَلَيْهِمْ أنْ يَصَلّوا مُتَفَرِّقينَ جَماعاتٍ أو فُرادَى،ولَهُ أنْ يَصَلِّيَ في الخَنْدَقِ ولوْ جالِساً إنْ تَعَذرَ الوُقُوف؛ للأدِلَّةِ التي أشَرْنا إلى بَعْضِها؛ ويأتِي غَيرُها في موضعٍ آخرَ إنْ شاءَ الله؛ ولِعُمُومِ قَوْلِهِ تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها}؛ وقَولِه تعالى:{فَاتَّقُوا اللهَ ما اسْتَطَعْتُمْ}.

ولا حَرَجَ أنْ يُصَلِّيَ جالِساً عَلَى مَقْعَدِ السلاحِ كَمُضادَّاتِ الطيَرانِ مَثَلاً إنْ اقْتَضَى حالُ الحَذَرِ أو القِتالِ ذلك؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}؛ فإنَّ قَوْلَهُ:{أَوْ رُكْباناً}؛ " مَعْنَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْكُمْ أَنْ تُصَلُّوا قَانِتِينَ مُوَفِّينَ لِلصَّلَاةِ حَقَّهَا لِخَوْفٍ فَصَلُّوا مُشَاةً عَلَى أَرْجُلِكُمْ أَوْ رُكْبَانًا عَلَى ظُهُورِ دَوَابِّكُمْ،وَهَذَا فِي حَالِ الْمُقَاتَلَةِ وَالْمُسَايَفَةِ يُصَلِّي حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ رَاجِلًا أَوْ رَاكِبًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبَلِهَا وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ،وَكَذَلِكَ إِذَا قَصَدَهُ سَبُعٌ أَوْ غَشِيَهُ سَيْلٌ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ فَعَدَا أَمَامَهُ مُصَلِّيًا بِالْإِيمَاءِ يَجُوزُ."[103]

 قُلْتُ:وحالُ الحَذَرِ والاحْتِياطِ مِنْ طَيَرانِ العَدُوِّ فِي مَعْناه.

ثُمَّ إنَّ الخَوْفَ في الآيَةِ هُوَ الخَوْفُ من العدُوِّ؛ ولذا سُمِّيتْ صلاةَ الخَوف؛ والعَربُ تُسَمِّي الحَرْبَ بِذلك؛ فَتَقُولُ:يومُ الرَّوْعِ؛ ويَومُ الفزَع؛ كذا في التَحْرِيرِ والتنْوير،والخَوْفُ مِنْ طَيرانِ العَدُوِّ داخلٌ في هذا؛ والله أعلم .




[104]
!!!!!!!!!!!!
الفهرس العام
المبحث الأول 4
مشروعية صلاة الخوف في القرآن والسنة 4
أولا- من القرآن الكريم : 4
الثاني - سبب نزول الآية القرآنية : 6
الثالث– من السنة النبوية : 7
الرابع - بعض أقوال المفسرين : 20
المبحث الثاني 43
الأحكام الفقهية لصلاة الخوف 43
التَّعْرِيفُ : 43
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ : 44
حكمة مشروعية صلاة الخوف: 47
أول مشروعيتها : 51
هيئة الصلاة في الحضر والسفر: 52
مَوَاطِنُ جَوَازِ صَلاَةِ الْخَوْفِ : 53
كَيْفِيَّةُ صَلاَةِ الْخَوْفِ : 56
عَدَدُ رَكَعَاتِ صَلاَةِ الْخَوْفِ : 57
بَعْضُ الأَْنْوَاعِ الْمَرْوِيَّةِ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ : 61
الأَْوَّل :صَلاَتُهُ r :بِذَاتِ الرِّقَاعِ 61
الثَّانِي :أَنْ يَجْعَل الإِْمَامُ الْجَيْشَ فِرْقَتَيْنِ : 63
الثَّالِثُ :أَنْ يُرَتِّبَهُمُ الإِْمَامُ صَفَّيْنِ،وَيُحْرِمَ بِالْجَمِيعِ فَيُصَلُّونَ مَعًا 63
الرَّابِعُ :صَلاَةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ : 66
صفات صلاة الخوف: 69
1 - إذا كان العدو في جهة القبلة فيصلون كما يلي: 70
2 - إذا كان العدو في غير جهة القبلة فيصلون بإحدى الصفات التالية: 70
3 – حال اشتداد الخوف وتواصل القتال : 72
صَلاَةُ الْجُمُعَةِ فِي الْخَوْفِ : 76
السَّهْوُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ : 77
حَمْل السِّلاَحِ فِي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ : 78
الْخَطَأُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ : 82
الْمُفَارَقَةُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ : 83
المبحث الثالث 85
الهَيْئَةُ المناسِبَةُ منْ صَلاةِ الخَوفِ للقِتالِ في زَمانِنا 85
[1] - أيسر التفاسير لأسعد حومد (ص: 595،بترقيم الشاملة آليا)
[2] - تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (7/ 406) ضعيف
[3] - صحيح البخاري (2/ 14)(944 )
[4] - تفسير ابن أبي حاتم،الأصيل - مخرجا (3/ 1052)(5896 ) صحيح
[5] - صحيح ابن حبان - مخرجا (7/ 126)(2875 ) صحيح
[6] - صحيح ابن حبان - مخرجا (7/ 128)(2876 ) صحيح
[7] - تفسير ابن أبي حاتم،الأصيل - مخرجا (4/ 1053)(5899) ومسند أحمد ط الرسالة (27/ 120)(16580) صحيح
[8] - تفسير ابن أبي حاتم،الأصيل - مخرجا (4/ 1053)(5898 ) وحديث السراج (3/ 175)(2368) حسن
[9] - تفسير ابن أبي حاتم،الأصيل - مخرجا (4/ 1054) (5900 ) صحيح
[10] - صحيح مسلم (1/ 574)305 - (839)
[11] - تفسير ابن أبي حاتم،الأصيل - مخرجا (4/ 1055)(5902 ) وسنن الترمذي ت شاكر (2/ 266)(411 ) ضعيف
[12] - تفسير ابن أبي حاتم،الأصيل - مخرجا (4/ 1055) صحيح
[13] - تهذيب الآثار مسند عمر (1/ 264)(438 ) صحيح
[14] - صحيح ابن حبان - مخرجا (7/ 138)(2883 ) صحيح
[15] - صحيح ابن حبان - مخرجا (7/ 120)(2869 ) صحيح
[16] - تفسير ابن كثير ت سلامة (2/ 398)
[17] - صحيح البخاري (2/ 14)(942 ) وصحيح مسلم (1/ 574)305 - (839)
[ ش(قبل نجد) جهة نجد وهو كل ما ارتفع من بلاد العرب إلى العراق. (فوازينا العدو) قابلناهم وذلك في غزوة ذات الرقاع. (فصاففنا لهم) في نسخة (فصاففناهم) قمنا صفوفا في مقابلتهم. (طائفة) قطعة من جيش المسلمين]
[18] - صحيح مسلم (1/ 574)306 - (839)
[19] - صحيح مسلم (1/ 574) 307 - (840)
[ ش (في نحر العدو) أي في مقابلته ونحر كل شيء أوله (حرسكم) الحرس خدم السلطان المرتبون لحفظه وحراسته وهو جمع حارس ويقال في واحده أيضا حرسى]
[20] - صحيح مسلم (1/ 575) 308 - (840)
[ ش (لو ملنا عليهم ميلة) أي لو حملنا عليهم حملة (لاقتطعناهم) أي لأصبناهم منفردين واستأصلناهم]
[21] - صحيح مسلم (1/ 575)309 - (841)
[22] - صحيح مسلم (1/ 575) 310 - (842)
[ ش (يوم ذات الرقاع) هي غزوة معروفة كانت سنة خمس من الهجرة بأرض غطفان من نجد سميت ذات الرقاع لأن أقدام المسلمين نقبت من الحفاء فلفوا عليها الخرق هذا هو الصحيح في سبب تسميتها (صفت معه) هكذا هو في أكثر النسخ وفي بعضها صلت معه وهما صحيحان (وطائفة وجاه العدو) هو بكسر الواو وضمها يقال وجاهه ووجاهه وتجاهه أي قبالته والطائفة الفرقة والقطعة من الشيء تقع على القليل والكثير]
[23] - صحيح مسلم (1/ 576)311 - (843)
[ ش (شجرة ظليلة) أي ذات ظل (فاخترطه) أي سله]
[24] - صحيح مسلم (1/ 576)312 - (843)
[25] - صحيح البخاري (2/ 15)(946 )وصحيح مسلم برقم (1770)
[ ش (الأحزاب) غزوة الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة سميت بذلك لتحزيب القبائل العربية وتجمعها ضد المسلمين ونزلت فيها سورة سميت بهذا الاسم. (لم يرد منا ذلك) ما أراد بقوله ظاهره وعدم الصلاة في الطريق وإنما أراد الحث على الإسراع. (يعنف) يلم]
[26] - صحيح البخاري (2/ 15)
[27] - تفسير القرطبي (5/ 364)
[28] - البجيرمي على الخطيب 2 / 222،ولسان العرب .
[29] - البدائع 1 / 243،وكفاية الطالب الرباني وشرحه بحاشية العدوي 1 / 296،روضة الطالبين 2 / 49،المجموع 4 / 404،بجيرمي على الخطيب 2 / 222،المغني 2 / 402،كشاف القناع 2 / 15 .
[30] - صحيح البخاري (1/ 129)(631 ) [ ش (شببة متقاربون) في السن وشببة جمع شاب]
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَوْلُهُ r«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» لَفْظَةُ أَمْرٍ تَشْتَمِلُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ r فِي صَلَاتِهِ،فَمَا كَانَ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ خَصَّهُ الْإِجْمَاعُ أَوِ الْخَبَرُ بِالنَّفْلِ،فَهُوَ لَا حَرَجَ عَلَى تَارِكِهِ فِي صَلَاتِهِ،وَمَا لَمْ يَخُصَّهُ الْإِجْمَاعُ أَوِ الْخَبَرُ بِالنَّفْلِ فَهُوَ أَمْرٌ حَتْمٌ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ كَافَّةً،لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ بِحَالٍ"صحيح ابن حبان - مخرجا (4/ 543)
[31] - المجموع 4 / 404،405،روضة الطالبين 2 / 49،كشاف القناع 2 / 10،المغني 2 / 400،بدائع 1 / 242 - 243،الفروع 2 / 75،بلغة السالك على الشرح الصغير 1 / 185 .
[32] - المجموع شرح المهذب (4/ 405)
[33] - نيل الأوطار (3/ 377)
[34] - موسوعة الفقه الإسلامي (2/ 542)
[35] - الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي - دار الفكر (2/ 578)
[36] - في ظلال القرآن للسيد قطب-ط1 - ت- علي بن نايف الشحود (ص: 1110)
[37] - صحيح مسلم (1/ 575) 308 - (840)
[ ش (لو ملنا عليهم ميلة) أي لو حملنا عليهم حملة (لاقتطعناهم) أي لأصبناهم منفردين واستأصلناهم]
[38] - موسوعة الفقه الإسلامي (2/ 542)
[39] - سنن الترمذي ت شاكر (4/ 30)(1421) صحيح
[40] - المصادر السابقة،وروضة الطالبين 2 / 62 .
[41] - روضة الطالبين 2 / 62،المغني 2 / 417 ط الرياض،والشرح الصغير 1 / 223 مطبعة المدني،روض الطالب 1 / 274 .
[42] - المصادر السابقة .
[43] - نيل الأوطار (3/ 378)
[44] - بدائع الصنائع 1 / 242،نيل الأوطار جـ 4 في باب صلاة الخوف،مغني المحتاج 1 / 301،المغني 2 / 412 .
[45] - المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 485) (1246 ) صحيح
[46] - مصنف ابن أبي شيبة -دار القبلة (5/ 410) (8369) صحيح
[47] - تهذيب الآثار مسند عمر (1/ 239)(381 ) حسن
[48] - شرح معاني الآثار (1/ 309)(1850 -1884 )
[49] - روضة الطالبين 2 / 52،المغني 2 / 402،الشرح الصغير 2 / 2 عيسى البابي الحلبي .
[50] - البدائع 1 / 242،الهداية 1 / 85،فتح القدير 2 / 64 .
[51] - روضة الطالبين 2 / 49،المجموع 4 / 407،المحلى على المنهاج 1 / 297،أسنى المطالب 1 / 270،المغني 2 / 412 .
[52] - البدائع 1 / 244 .
[53] - البدائع 1 / 244،روض الطالب،1 / 270،روضة الطالبين 2 / 50،المغني 2 / 412 .
[54] - صحيح مسلم (1/ 574)307 - (840)
[ ش (في نحر العدو) أي في مقابلته ونحر كل شيء أوله (حرسكم) الحرس خدم السلطان المرتبون لحفظه وحراسته وهو جمع حارس ويقال في واحده أيضا حرسى]
[55] - روض الطالب 1 / 272،روضة الطالبين 2 / 50،كشاف القناع 2 / 11 - 12 حاشية الدسوقي 1 / 393 .
[56] - صحيح ابن خزيمة (2/ 306)(1366 ) صحيح
[57] - صحيح البخاري (6/ 31)(4535 )
[58] - روضة الطالبين 2 / 60،روض الطالب 2 / 273،كشاف القناع 2 / 18،المغني 2 / 416،بلغة السالك على الشرح الصغير 1 / 186،بدائع الصنائع 1 / 244 .
[59] - القليوبي 1 / 300،روضة الطالبين 2 / 60،المغني 2 / 416،بلغة السالك 1 / 186 .
[60] - السنن الكبرى للنسائي (2/ 245)(1638 ) صحيح لغيره
[61] - صحيح مسلم (1/ 437) 205 - (627)
[ ش (عن الصلاة الوسطى) أي الفضلى (صلاة العصر) بدل أو عطف بيان]
[62] - البدائع 1 / 244 .
[63] - موسوعة الفقه الإسلامي (2/ 543)
[64] - صحيح مسلم (1/ 575)309 - (841)
[65] - صحيح مسلم (1/ 574)305 - (839)
[66] - تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 951)
[67] - تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (4/ 393) صحيح
[68] - فتح الباري شرح صحيح البخاري- ط دار المعرفة (2/ 433)
[69] - المنتقى شرح الموطإ (1/ 325)
[70] - الشرح الممتع على زاد المستقنع (4/ 411)
[71] - المجموع 4 / 419،أسنى المطالب 1 / 272،روضة الطالبين 2 / 57،المغني لابن قدامة 2 / 405 .
[72] - روض الطالب 1 / 272،روضة الطالبين 2 / 58،المغني 2 / 406،بلغة السالك على الشرح الصغير 1 / 68 .
[73] - شرح روض الطالب 1 / 273،روضة الطالبين 2 / 60،المغني 2 / 411،كشاف القناع 2 / 17 .
[74] - الموسوعة الفقهية الكويتية - وزارة الأوقاف الكويتية (25/ 149)
[75] - المغفر : زرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة .
[76] - البدائع 1 / 245 ط دار الكتاب العربي،والبناية شرح الهداية 2 / 940،وروضة الطالبين 2 / 59 ط المكتب الإسلامي،ومغني المحتاج 1 / 304 ط مصطفى الحلبي،والمهذب 1 / 114 ط دار المعرفة،والمغني 2 / 412 ط الرياض،وكشاف القناع 2 / 17 ط عالم الكتب،وتفسير القرطبي 5 / 371 .
[77] - المهذب 1 / 114،ومغني المحتاج 1 / 304،وروضة الطالبين 2 / 59،والمغني 2 / 412 .
[78] - الموسوعة الفقهية الكويتية - وزارة الأوقاف الكويتية (3/ 258)
[79] - واللجنة ترى أن الاستخلاف في صلاة الخوف لا يخرج في الجملة عما ذكروه في الصلاة المطلقة .
[80] - مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (2/ 186)
[81] - الأم للشافعي (1/ 260)
[82] - الموسوعة الفقهية الكويتية - وزارة الأوقاف الكويتية (19/ 148)
[83] - حاشية رد المحتار 2 / 186،كشاف القناع 2 / 20
[84] - المجموع 4 / 432
[85] - كشاف القناع 2 / 20
[86] - المجموع 4 / 432
[87] - شرح الزرقاني 2 / 71
[88] - المجموع 4 / 432
[89] - الموسوعة الفقهية الكويتية - وزارة الأوقاف الكويتية (38/ 250)
[90] - انظر : الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (1/ 197) وحاشية البجيرمي على الخطيب = تحفة الحبيب على شرح الخطيب (2/ 256) ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (1/ 575) ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/ 361)
[91] - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (1/ 263)
[92] - تفسير ابن كثير ت سلامة (2/ 398)
[93] - اللباب في علوم الكتاب (6/ 608)
[94] - صحيح مسلم (1/ 386) 44 - (544)
[95] - السنن الكبرى للبيهقي (3/ 359)(6008) حسن
[96] - زاد المسير في علم التفسير (1/ 463)
[97] - تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (2/ 105)
[98] - تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (2/ 292)
[99] - التفسير المنير للزحيلي (5/ 250) وتفسير ابن كثير ت سلامة (2/ 403) وتفسير القرطبي (5/ 371) وتفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان (2/ 489)
[100] - البحر المحيط في التفسير (4/ 46)
[101] - صحيح البخاري (2/ 14)(942 )
[ ش(قبل نجد) جهة نجد وهو كل ما ارتفع من بلاد العرب إلى العراق. (فوازينا العدو) قابلناهم وذلك في غزوة ذات الرقاع. (فصاففنا لهم) في نسخة (فصاففناهم) قمنا صفوفا في مقابلتهم. (طائفة) قطعة من جيش المسلمين]
[102] - صحيح البخاري (5/ 115) (4136 ) وصحيح مسلم (1/ 576)311 - (843) واللفظ له
[ ش (شجرة ظليلة) أي ذات ظل (فاخترطه) أي سله]
[103] - تفسير البغوي - طيبة (1/ 290) وتفسير الخازن = لباب التأويل في معاني التنزيل (1/ 174)
[104] - http://www.tawhed.ws/r?i=20021005

===========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

[مجلد 9][ مستدرك الحاكم ] المستدرك على الصحيحين محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري

  [مجلد 9][ مستدرك الحاكم ] المستدرك على الصحيحين محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري 8327 - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد ا...